قراءات في مصطلح الرمزية

 07 سبتمبر 2006

ترجمة وإعداد: ناطق خلوصي

 

يرتبط مصطلح " الرمزية " ( Symbolism ) بالحركة الرمزية ( Symbolic Movement ) التي نشأت كحرمة أدبية في فرنسا حيث اعتقد المنتمون إليها أن الشعر يجب أن يرتبط بالعالم المادي والأخلاقي عن طريق رموز تعبـّر عن أعمق أسرار الروح البشرية. لقد كانت الرمزية الفرنسية في جزء كبير منها رد فعل ٍ ضد " الطبيعية " ( Naturalism ) و" الواقعية " ( Realism ) وهما الحركتان اللتان حاولتا أن تجذبا الانتباه إلى خصوصية الواقع واللتان شجعتا رد فعل لصالح القيم الروحية ولصالح التخيل والأحلام، ويبدأ الطريق إلى الرمزية من رد الفعل هذا إذ أن بعض الكتـّاب كانوا من أنصار المدرسة الطبيعية قبل أن يتحولوا إلى الرمزية. تمتد جذور الرمزية في الأدب إلى مجموعة " أزهار الشر " لبودلير، ثم تطور الجمالي من قـِبل ستيفان مالارميه وبول فيرلين خلال ستينيات القرن التاسع عشر وسبعينياته. وتم خلال ثمانينيات القرن المذكور التعبير عن الجمالي من خلال سلسلة من البيانات، واستهوى جيلا ً من الكتـّاب. إن أعمال " ادغار ألن بو " التي أعجب بها بودلير كثيرا ً وترجمها إلى الفرنسية كان لها تأثير بارز وكانت مصدر الكثير من العبارات المجازية والصور المتداولة. إن ما يميز الحركة الرمزية في الأدب عن الحركة الرمزية في الفن أن الأخيرة تبدو ثمرة ً للجوانب الأكثر عتمة ً وفظاظة ً في الرومانتيكية، ولكن الرومانتيكية كانت عنيفة ومتمردة في حين كانت الرمزية هادئة وصوفية. لقد اعتقد الرمزيون أن الفن يجب أن يهدف إلى قدر اكبر من الحقائق المطلقة التي يمكن الوصول إليها بطرق مباشرة فقط. وهكذا فقد كتبوا بطريقة استعمارية وموحية تمنح صورا ً وأشياء معينة معاني رمزية. لقد نشر جان مورياس البيان الرمزي في العام 1886 وأعلن فيه أن الرمزية هي ضد " المعاني الواضحة والخطابية والعاطفية الزائفة والوصف الواقعي "وان هدفها، بدلا ً من ذلك، هو التعبير عن الذهني والخيالي بشكل يمكن إدراكه حسيا ً. يقول الرمزيون أن كل أشكال اللغة رمزية فطريا ً وان أي نظام للرموز يمكن أن يشكل" لغة “، وتقوم اللغة على استخدام وحدات صوتية " فونيمات " لتمثيل الرموز، وتمثل الكلمة المكتوبة كلا ً من " الفونيم " والمفهوم الذي تعبـّر عنه. لقد طورت ثقافات كثيرة أنظمة رمزية معقدة أشير إليها في الغالب بأنها نظام رمزي يعين رموزا ً معينة لأشياء محددة، وقد لعب تفسير الرموز التجريدية دورا ً مهما ً في الدين والتحليل النفسي. إن الرموز كما تخيلها سيجموند فرويد وكارل يونغ ليست ردود أفعال للعقل، وإنما هي قدرات ادراكية واضحة ضمن العقل لاستيعاب معلومة متميزة، وبالتالي فان الرمز يمكن أن يجد ترابطا ً حرا ً مع أي عدد من الرموز، ويمكن أن ينظم بأي عدد من الطرق ويمكنه أن يستوعب المعاني المترابطة بين الرموز كرموز بحد ذاتها. لقد اختلف يونغ وفرويد حول قضية النُظُم الادراكية وحول ما إذا كان في امكانها أن تكون موجودة ضمن عقل الفرد فقط أو بين العقول الأخرى، وفيما إذا كانت الرمزية الادراكية قد عُرفت عن طريق الرمزية الفطرية أو بتأثير البيئة. لقد رغب الشعراء الرمزيون في تحرير أساليب نظم الشعر لإتاحة مجال اكبر للمرونة أو السلاسة، وهكذا فإنهم انحازوا إلى الشعر الحر، وهو اتجاه واضح جدا ً في قصائد غوستاف كاهن. لقد بحثت القصائد الرمزية عن الإثارة أكثر مما عن الوصف: أي أن الصورة الرمزية استخدمت للتعبير عن حالة الشاعر الروحية. إن بين المحاولات العديدة لتحديد جوهر الرمزية لم يكن هناك ما هو أكثر تأثيرا ً من سلسلة المقالات التي نشرها فيرلين في العام 1884 عن تريستان كوربير وآرثر رامبو وستيفان مالارميه . لقد أشار فيرلين إلى أن هؤلاء الشعراء المهملين حتى الآن، وجدوا بطرقهم الفردية والمختلفة جدا ً، إن العبقرية لعنة، فقد عزلتهم عن معاصريهم. وضمن هذا المفهوم للعبقرية ودور الشاعر، أشار فيرلين بشكل غير مباشر إلى علم الجمال لدى فيلسوف التشاؤمية شوبنهاور الذي اعتقد أن هدف الفن يتمثل في أن يوفر ملاذا ً مؤقتا ً للهروب من عالم صراع الارادات الأعمى. إن علم الجمال عند شوبنهاور عكس اهتمامات مشتركة مع الرمزية، فكلاهما يميل إلى أن ينظر إلى الفن كملاذ تأملي من العالم. وضمن الرغبة في ملاذ فني، تناول الرمزيون موضوعات متميزة عن التصوف وعالم الآخرة. لقد كانت الرمزية في الرسم امتدادا ً لبعض الاتجاهات الصوفية في تقاليد الفن الرومانتيكي والذي شمل فنانين من أمثال كاسبر ديفيد فردريك وجون هنري فوسيلي، وكانت هناك عدة جماعات متباينة إلى حد ٍ ما من الرسامين والفنانين البصريين الرمزيين. وقد امتدت الرمزية في الرسم إلى مدى أوسع جغرافيا ً من ذلك الذي امتدت إليه الرمزية في الشعر حتى بلغت الفنانين الروس إلى جانب فنانين في الولايات المتحدة.واعتبر اوغست رودان رمزيا ً في النحت أحيانا ً. لقد تعامل الرسامون الرمزيون مع الميثولوجيا وصور الأحلام سعيا ً وراء لغة عصرية للروح، ويحثوا عن رسوم مثيرة للذكريات والعواطف أعادت إلى الذهن عالم الصمت الساكن. لقد اثر الرسامون الرمزيون في الحركة الفنية المعاصرة باعتبار الرمزية فلسفة أكثر من كونها أسلوبا ً فنيا ً واقعيا ً، وهم يعتبرون ممهدين للسريالية من خلال اكتشافهم للموضوعيات المشابهة للحلم. وكان للرسامين الرمزيين تأثير مهم على مدارس فنية أخرى، وتبين الفترة الزرقاء عند بيكاسو تأثير الرمزية عليه. واعتمدت الألوان كرموز في الرسم. فاللون الأبيض يرمز للنقاء والأصفر للجبن والأزرق للتواضع والأحمر للشجاعة والبنفسجي للسلطة والأخضر للأمل والأسود للشر. وكان للرمزية بعض التأثير في الموسيقى أيضا ً. إن الكتـّاب والنقاد الرمزيين كانوا متحمسين في وقت مبكر إلى موسيقى فاغنر الذي كان تلميذ شوبنهاور. وكان لعلم الجمال الرمزي اثر عميق في أعمال كلود ديبوسي. فاختياراته من موضوعات ونصوص الحرية تتأتى من مبادىء الحرية بصورة شاملة تقريبا ً وبشكل خاص مؤلفاته المأخوذة عن قصائد فيرلين. وفي الرواية السردية تم تبني إعجاب الرمزية بالسكوني والصوفي بدرجة اقل مما في الشعر. لقد احتوت رواية " ضد المزاج " لجورس ـ كارل هايزوانز ( 1884 ) على الكثير من الموضوعات التي ارتبطت بعلم الجمال الرمزي. وقد حاكى اوسكار وايلد هذه الرواية في عدة مقاطع من " صورة دوريان غري “، وكان بول آدم ممثلاً لأكثر المؤلفين إنتاجا ً للروايات الرمزية. وللرمزية تأثير على السينما أيضا ً. فأفلام " التعبيرية الألمانية " ( German Expressionism ) تدين كثيرا ً إلى الصور الرمزية التي كان لها تأثير على أفلام الرعب أيضا ً. أما في المسرح، فان التأكيد على الحياة الداخلية للأحلام والخيال جعل المسرح الرمزي صعب التوافق مع أكثر الأذواق والميول حداثة ً. وتعتبر مسرحية " اكسل " ( 1890 ) مسرحية رمزية مميزة وقد استلهم ادموند ويلسون عنوان هذه المسرحية ووظفه في عنوان دراسته " قلعة اكسل " عن آثار الرمزية في الأدب وقد ركزت على تواصل عدد من الكتـّاب المهمين في أوائل القرن العشرين مع الرمزية، وتناولت بشكل خاص ييتس وايليوت وبول فاليري ومارسيل بروست وجويس وجيرترود ستين. وكان موريس ميترلنك كاتبا ً مسرحيا ً رمزيا ً وعرفت الأعمال الأخيرة لتشيخوف بأنها تأثرت بتشاؤمية الرمزيين بصورة عميقة. وتحت تأثير الرمزية طوّر الممثل والمخرج الروسي مييرهولد نظريته في التمثيل التي عارض فيها نظرية ستانسلافسكي وكان لها تأثيرها في أعمال سيرجي ايزنشتاين بشكل خاص. لقد كانت الجمالية تعتبر في انكلترة نسخة مطابقة للرمزية، وكان ما قبل الرافائيليين معاصرين لأوائل الرمزيين ولديهم الكثير مما يشتركون فيه معهم، كما كان للرمزية تأثير كبير على الحداثة

 

جريدة التآخي