الأدب الواقعي .................... والواقع الأدبي
أجمل ما في الأدب أنه صرح بناه صاحبه وشيده وعلاه ووصل به لمنتهى كماله في الخيال ، تتعاظم قدرة الكاتب مع تعاظم واكتمال عمله وكماله .
الكاتب بقدر ما يكون انعكاسا لمجتمعه وواقعه فهو خيالي بالدرجة الأولى ذهب به خياله لتصورٍ ما فيصيغه بشكل يراه هو وقد لا يراه غيره على نفس الشاكلة فالأمر متفرد راجع لصاحبه ، إلا أن خيال الكاتب قد يحول الأمر بعيدا عن المجتمع وعن الواقع .
فالأدب يحمل تصورا بعيدا عما هو حادث ، الكاتب يذهب بالخيال لينسى الواقع المرير في كثير من الأحيان ، أو لعله يأمل في تحويل الواقع لشيء أخر كما يجب أن يكون ولأن الحياة لا تخضع لنواميس ولا يجعلها أحد كما يجب أن تكون فيصير ما صاغه الكاتب محض خيال .
ويبقى الواقع في طيات الأدب مشكلة يصعب تحديدها فهو إما شكلا ظاهريا يشير إليه الكاتب ويهرب منه بخياله الخصب وإما هو نقلا حرفيا لما يحدث في مجتمع القاص أو الأديب بشكل عام فيصير كما المصور ينقل صورا ، أو كرسام أُعطي فرشاة وألوانا ليرسم طبق فاكهة أمامه أي أنه يجسد ما حوله كما هو دون إضفاء خيال ، ويتمثل جمال العمل هذا في عباراته وجماله اللغوي أي يتحكم هنا في العنصر الجمالي على محسنات وبدائع اللغة لأن الخيال الذي ينتقل معه المرء إلى عوالم أخرى مفقود .
ويسطع بريق الكاتب بشدة إذا استطاع أخذ القارئ في واقعه أو ما كتب عنه وهذا يعتمد على قوة المشكلة التي يتصدى لها ومدى مساسها بالمجتمع وكم هي ماسة للقارئ بشكل خاص .
تلك الواقعية في الأدب أو الأدب الواقعي الذي يتناول مشكلات أو أحداث بعيدة عن الخيال ، أما الواقع الأدبي هل هو حقا عبارة عن أدب واقعي فقط أم أنه واقع بالإضافة إلى الخيال مع خليط من الرومانسية التي تُضفي بريقا أخاذا على العمل الأدبي .
يُتهم كثير من الكتاب بتخليهم عن الرومانسية ويعولون ذلك إلى الواقع ومشاكله وأدواته الجديدة التي تفرض نفسها بقوة على الكاتب وعلى حياة الناس أجمعين فتجد الأديب غارق في المشكلة بداية وقلبا ونهاية ، زمنا وحدثا ، إيجازا وتفصيلا كما الغارق في بحر يصارع موجه بذراعيه .
إلا أن الرومانسية تغيرت فقط أشكالها بتغير أدوات المجتمع فلم يعد الحبيب يناجي حبيبته بالرسائل المكتوبة أو بالزهور أو أسفل شباكها صار هناك الموبايل أكثر الأشياء خصوصية ورسائله القصيرة تحمل الكثير وبات الحبيب وحبيبته على الانترنت معظم الوقت إن الأدوات المختلفة وسرعة الحياة غيرت من الشكل الظاهري للأمر ولكنها لم تغير فحواه فالبشر واحد وإن تبدلت ألوانهم وأشكالهم وليس معنى الحروب المشتعلة وأزمات البطالة والفقر والاحتياج وانتشار الطلاق بين كافة فئات المجتمع على اختلاف أعمارهم وتردي الأحوال السياسية أسبابا لاختفاء الرومانسية فهي نزعة بداخل الفرد ، شيمة من شيمه ، أسلوب حياة ،قد يؤجلها لكنه لا يلغيها .
قد يكون العمل الأدبي ذو طابع رومانسي ولكنه واقعي وبالعكس قد يكون رومانسيا خياليا ، فتخلي الكاتب عن الرومانسية شيء يعود له لا يعود لكونه ينتهج مذهبا واقعيا .
الواقع الأدبي لا يعكس اتجاه الكُتاب للمشاكل أو للواقعية فهم لا يزالوا غارقون في خيالهم الخصب وفي الماضي وهذا بالأخص ما يفعله كبار الكتاب ، أما الكتاب الجدد فإن ما يعانون منه من واقع شديد القسوة شديد المرارة يجعلهم يغرقون في خيالية ممزوجة بمرارة ورغبة في الهروب لا مثيل لها ، كما انتشر بقوة مذهب التورية والمواراة بالحديث عن موضوعات شائكة تحت أستر من الرومانسية أو المشكلات الاجتماعية تتعمد الإسقاط والحذق يفهم .
إلا أنهم ليسوا ببعيد عن المجتمع وآلامه بل هم الأقرب لأن لا ماض لهم يتكئون عليه ويدرون مخابئه ، عاشوا أحلامه وطموحاته إن لهم حاضرا واقعا يجبرهم على ألا يتجاهلوه لأن من الصعب عليم التفكير في تجاهله .
لازال هناك الكثير والكثير يحمله عنوان الأدب الواقعي والواقع الأدبي ولازال للحديث بقية .
رباب كساب
6/5/2007