قام موقع رحماء بمقابلة خاصة مع السيد الدكتور الأستاذ محمد علي آذرشب أستاذ جامعة طهران و أحد الوجوه التقريبية و سأله عن حياته الجامعية و اهتماماته التقريبية بين أبناء الأمة ، فيما يلي نص المقابل

     أرجو أن تعطينا صورة عن حياتك الدراسية الجامعية .

بسم الله الرحمن الرحيم . الحمدلله والصلاة والسلام علی رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .

تخرجت في كلية أصول الدين ببغداد سنة 1969م بدرجة بكالوريوس ، ثمّ واصلت دراستي في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران ونلت درجة الماجستر ، وبعدها تخرجت في كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية بدرجة الدكتوراه في الثقافة العربية وعلوم القرآن ( طبعا لم تكن دراسة اللغة العربية وآدابها علی مستوی الدكتوراه موجودة آنذاك في الجامعات الإيرانية ).

ü     كيف انخرطت في التعليم الجامعي ،وكيف ارتقيت في الرتب  الجامعية ؟

انتقلت من وزارة التربية والتعليم إلی الجامعة عام 1953، وعملت في الجامعة برتبة معيد ، ثم ارتقيت إلی درجة أستاذ مساعد ، ثمّ أستاذ مشارك ، ثمّ أستاذ ،وفي كل مرحلة ارتقاء قدّمت مؤلفات من الكتب والمقالات ، والمشاركات في المؤتمرات والندوات العلمية.

ü     أشرفت حتی الآن علی رسائل كثيرة في الماجستر والدكتوراه ما هي الرسائل التي أعجبتكم أكثر من غيرها؟

لا أستطيع أن أذكر الأسماء والعناوين ، حتی لا تثير حساسية ، ولكن أقول بإختصار إن أفضل الرسائل التي أشرفت عليها هي الرسائل التي طرحت أسئلة هامّة ، ثمّ بحثت بجدّ للإجابة علی هذه الأسلة ، وتوصلت إلی نتائج لا تقلّ أهميّة عن السؤال المطروح.

الرسالة الجيدة هي التي يتّجه فيها الطالب إلی إرضاء طموحه العلمي،لا التي ينحصر فيها همّ الطالب علی إنّها الرسالة والحصول علی الشهادة.

الرسالة الجيدة هي التي يختارها الطالب بعد فحص ودراسة وتمحيص ، لتكون أكثر فائدة وأكثر قربا من ذوقه وإمكانياته.

ü     دراسة العلوم الإنسانية في الجامعات الإيرانية محاطة بإشكاليات عديدة ، ما هي أهمّها في رأيكم؟

أهمّ إشكالية في دراسة العلوم الإنسانية عندنا هي أن الطالب يقبل عليها دون رغبة غالبا ، ودون أن يعرف أهميتها ثانيا ، كما أن المجتع بشكل عامّ لا ينظر إلی فروع العلوم الإنسانية في الجامعات بعين الإحترام والتقدير كما ينظر إلی كليات الطب والهندسة مثلا.

العلوم الإنسانية في الجامعات الغربية تحظی باهتمام يفوق كل الفروع الجامعية الأخری ،لأنهم يعرفون أن العلوم الإنسانية تتجه نحو بناء «الإنسان» و «المجتمع الإنساني» والإنسان أساس كلّ تطوير وتقدّم في كلّ العلوم الأخری .

الإشكالية الأخری في دراسة العلوم الإنسانية عندنا هي أننا ندرس غالبا الآراء والنظريات المستوردة من الغرب ، وهذه لا تنسجم مع واقعنا وفكرنا وثقافتنا ،ولذلك فهي إمّا أن تكون عديمة التأثير،أو أنّها تنتج متعلّمين لا ينظرون بعين حقيقية إلی مجتمعهم ، ويخرجون بنتائج لا تخدم مسيرة التقدم في وطنهم.

والإشكالية الأهم هي اتساع فروع  العلوم الإنسانية اتساعا لا يتناسب مع حاجة المجتع ، عدد الطلبة هائل والحاجة «الحقيقة» إليهم محدودة .

ولذلك تظهر أزمة فرص العمل أمام هؤلاء الطلبة ، ويتعمق الإحساس بعدم  جدوی الدراسة في فروع العلوم الإنسانية

.

ü     كيف نستطيع أن نعالج هذه الإشكاليات أمام العلوم الإنسانية؟

 نحتاج احتياجا مبرما إلی طرح المشروع الثقافي الذي يتناسب مع مزيجنا الفكري والعقائدي والتراثي . وفي إطار هذا المشروع ستتّضح أهمية العلوم الإنسانية ،وسنتوجه إلی «أسلمة » العلوم الإنسانية .

وموضوع الأسلمة هذا دقيق وحساس ،يجب أن لايفهم بأنه ترك لكل أفكار الآخرين والاتجاه نحو دراسة النصوص الدينية ...لا أبدا ،بل لابدّ من استيعاب الإنتاج البشري في هذه العلوم ،ثمّ الجلوس علی مائدة الإسلام ، لنسأل ونحصل علی الإجابات العلمية الدقيقة في هذه المجالات ،ثمّ علی تطويرها باستمرار بفكرنا وممارساتنا العملية.

ü     هل هناك من قام بهذا العمل في العالم الإسلامي؟

نعم هناك مراكز اهتمت بأسلمة العلوم ،تعهدّها كبار ، درسوا العلوم الغربية ،ثمّ بذلوا الجهد ليقدّموا هذه العلوم من منظار إسلاميّ، وتحمل هذه المراكز الدراسات الحضارية،أو معهد أسلمة العلوم ، وأمثال هذه الأسماء ، وهي منتشرة في مصر وأميركا وكندا.

ü     ماهي أولويات اهتمامكم في عملكم العلمي والثقافي؟

اهتمامي الأوّل هو استنهاض هذه الأمة ،الأمة الإسلامية يجب أن تكون أمّة حيّة ،لأن الإسلام دين الحياة ﴿ ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.

والمقصود بالحياة هنا طبعا ، ليس الحياة البيولوجية الحيوانية ،بل الحياة الإنسانية التي تجعل الإنسان يتكامل باستمرار في كل شؤونه المعنوية والمادية.

والاستنهاض هو تفصيل هذه الحياة في نفوس الأمة ، هو تفصيل :﴿ نفخت فيه من روحي في الأرواح . نفخة روح ربّ العالمين موجودة في الإنسان ، لكنّها علی أثر العوامل التاريخية والإجتماعية تضعف ، ولذلك تحتاج إلی إذكائها ،ويقوم بهذه المهمّة «الإحيائيون».

وإذا نهضت الأمة روحيا وشعوريا وثقافيا فإنّها ستتقدم نحو كل كمال معنويّ وماديّ ،وسوف تبنی حضارتها كما بنتها في القرون الماضية، ولكن علی مستوی احتياجات العصر.

ü     البارز في اهتمامكم هو «التقريب» بين المذاهب الإسلامية فأين موقع هذا الاهتمام من عملية الاستنهاض ؟   

التقريب أو توحيد المسلمين جزء لا يتجزأ من عملية الاستنهاض أو الإحياء . فالجسد الحيّ مترابط عضويا «إذا اشتكی منه عضو تداعی له سائر الجسد بالسهر والحمّی » كما في الحديث الشريف.

أمّا التفرّق والتمزّق فهو من مظاهر الجسد الميّت ، الذي تتفك أعضاؤه ،ثمّ تصبح عرضة لفتك الجراثيم والباكريات.

عملية التقريب تصبّ في دائرة الاستنهاض والإحياء ولا تنفصل عنها.

ü     اهتمامكم بالأدب العربي واللغة العربية هل له علاقة باهتمامكم الحضاريّ؟

طبعا ...طبعا ،اللغة العربية هي لغة الحضارة الإسلامية ، أكثر كتبنا التي ورثناها من ماضينا الحضاري قد كتبها أجدادنا الإيرانيون باللغة العربية . فاللغة العربية بعد الإسلام خرجت من الإطار القومي وأصبحت لغة الحضارة الجديدة. هي لغة القرآن ... والقرآن كتاب إحياء الإنسان ودفعه نحو البناء الحضاري.

والأدب أيضا هو خطاب الشعور للشعور ،وهو الخطاب الذي يستطيع أن يستنهض الشعور أكثر من أي خطاب آخر، ومن هنا فكل نهضة تبدأ بالأدب لأن الأدب قادر علی تحريك الشعور ودفعه نحو أهداف سامية تحقق الانتاج الحضاري.

ü     ما هي أهميّة اللقاء بين الطلبة في الجامعات الإسلامية والعربية؟

كل لقاء بين الفئات الإسلامية مفيد ،خاصة إذا كان بين الفئات المثقفة ،لأنّه سبيل «للتعارف» والتعارف هدف خلقة البشرية كما يبيّنه القرآن:﴿ يا أيّها الذين إنّا خلقناكم من ذكر وأنثی وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا... والتعارف له معنی حضاريّ كبير ،لأنّه التبادل الفريقي بين الشعوب . والتبادل هو أساس البناء الحضاريّ.

وأرجو أن لا تكون الموانع السياسيّةحائلا دون تحقيق «التعارف»،لأن ذلك سيكون علی المسلمين.

ü     حضرة الأستاذ نشكركم جزيل الشكر لإتاحة هذه الفرصة لنا رغم مشاغلك الكثيرة

 

المصدر:

رحماء