التفكيكية في قفص الاتهام
د. جميل حمداوي
أستاذ التعليم العالي- المغرب-
توطئـــــة:
عرف النقد الغربي المعاصر في مسيرته المعرفية نظريا وتطبيقيا عدة مراحل أساسية، ويمكن حصرها في مرحلة المرجع مع التيار الواقعي، ومرحلة التماثل مع البنيوية التكوينية، ومرحلة الأسلوب مع الأسلوبية والبلاغة الجديدة، ومرحلة البنية مع التيار البنيوي اللساني والشكلانية الروسية ، ومرحلة العلامة مع التيار السيميوطيقي، ومرحلة التفكيك مع التيار التفكيكي، ومرحلة التأويل مع التيار الهرمينوطيقي والتيار الفينومونولوجي.
هذا، ولم تظهر التفكيكية مع جاك ديريدا إلا بمثابة رد فعل على البنيوية اللسانية، وهيمنة السيميوطيقا على الحقل الثقافي الغربي. ويعني هذا أن التفكيكية، باعتبارها – حسب جاك ديريدا - فلسفة التقويض الهادف، والبناء الإيجابي، جاءت لتعيد النظر في فلسفات البنيات والثوابت ، كالعقل، واللغة، والهوية، والأصل، والصوت، وغيرها من المفاهيم التي هيمنت على التفكير الفلسفي الغربي، أو جاءت لتنتقد المقولات المركزية التي ورثها الفكر الغربي من عهد أفلاطون إلى الستينيات من القرن العشرين، فترة ظهور التفكيكية مع جاك ديريدا[1].
وإذا كانت التفكيكية قد اتخذت منحى فلسفيا في الغرب مع جاك ديريدا، ومع مجموعة من الفلاسفة الأوروبيين، فإن التفكيكية قد اتخذت منحى أدبيا في القراءة والتأويل في الثقافة الأنكلوسكسونية، حيث سخرت كل أدواتها من أجل تفكيك النقد الجديد (New Criticism).
إذاً، ماهي التفكيكية؟ وماهي مرتكزاتها النظرية والتطبيقية؟ وماهو تاريخها؟ وماهي خطواتها المنهجية؟ ومن هم روادها سواء أكان ذلك في الغرب أم في العالم العربي؟ وماهي أهم الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى فلسفة الاختلاف؟ تلكم هي أهم النقط التي يمكن رصدها في هذه الدراسة التي بين أيديكم.
1- مفهــــوم مصطلــــح التفكيــــك:
استعمل جاك دريدا (Jack derrida) مصطلح(التفكيك/déconstruction ) لأول مرة في كتابه :"علم الكتابة/ الغراماتولوجيا/ De la grammatologie"، مـتأثرا في ذلك بمصطلح التفكيك لدى مارتن هايدجر (Heidegger) الذي شغله في كتابه:" الكينونة والزمان". وليس التفكيك عند جاك ديريدا بالمفهوم السلبي للكلمة، حيث ترد كلمة التفكيك في القواميس الفرنسية بمعنى الهدم والتخريب، لكن ترد في كتابات جاك ديريدا بالمعنى الإيجابي للكلمة، وذلك بالمفهوم الهيدجري.أي: ترد كلمة التفكيك من أجل إعادة البناء والتركيب، وتصحيح المفاهيم، وتقويض المقولات المركزية، وتعرية الفلسفة الغربية التي مجدت لقرون طوال مفاهيم مركزية، كالعقل والوعي والبنية والمركز والنظام والصوت والانسجام... في حين، إن الواقع قائم على الاختلاف، والتلاشي، والتقويض، والتفكك، وتشعب المعاني، وتعدد المتناقضات، وكثرة الصراعات التراتبية والطبقية. ويعني هذا أن دريدا يعيد النظر، عبر مصطلح التفكيك ، في مجموعة من المفاهيم التي قامت عليها الأنطولوجيا والميتافيزيقا الغربية تثويرا وتقويضا وتفجيرا . وهكذا، فمصطلح التفكيك ليس بمعنى الهدم السلبي، وليس بمعنى النفي أو الرفض أو التقويض والإنكار كما في فلسفة نيتشه، بل بمعنى إعادة البناء والتركيب، وتصحيح الأخطاء، وفضح الأوهام السائدة.
وهنا، لابد من فتح قوس لنقول بأن التفكيكية في البنيوية والسيميائية، ليس بمعنى التفكيك في فلسفة ديريدا، فلا يراد من التفكيك البنيوي والسيميائي سوى تشريح النص، وتحديد بنياته العميقة، واستخلاص القواعد المجردة والثنائيات المنطقية التي تتحكم في توليد النصوص اللامتناهية العدد، وذلك بالاحتكام إلى العقل والمنطق واللغة. بيد أن تفكيك ديريدا هو تشريح للنصوص من أجل هدم المقولات الثابتة، وتقويض البنيات الثنائية، والتشكيك في فعاليتها الفلسفية والإجرائية. بمعنى أن التفكيك البنيوي والسيميائي تفكيك إيجابي ومنهجي ومجد في قراءة النصوص الفلسفية والأدبية، وطريقة عامة لفهم الخطاب وتفسيره علميا، بينما تفكيك ديريدا تفكيك سلبي يقوم على التضاد والاختلاف ، وهدم تلك الثوابت البنيوية تشكيكا وفضحا وتعرية لأوهامها الإيديولوجية، وذلك بالمفهوم السلبي والعدمي للتقويض والتفكيك. وبالتالي، ففلسفة جاك ديريدا في مجال التفكيك قريبة جدا بشكل من الأشكال من فلسفة النفي لدى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه(Friedrich Wilhelm Nietzsch).
2- التصــــور النظـــري للتفكيكيـــة :
من المعلوم، أن التفكيكية تيار فلسفي وأدبي ظهر في ستينيات القرن العشرين، وهي منهجية لمقاربة الظواهر الفلسفية والتاريخية والأدبية تشريحا وتفكيكا وتقويضا. وقد ارتبطت التفكيكية بالفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا(Jacques Derrida)[2] الذي تأثر بهايدجر(Heidegger)، وهوسرل(Edmund Husserl )، ونيتشه(Neitsze). كما اقترنت التفكيكية بتشريح اللغة، والفلسفة، والنصوص الأدبية. بمعنى أن جاك ديريدا قد تسلح بالتفكيكية لتقويض المقولات المركزية للسانيين، وإعادة النظر في ثنائياتهم المزدوجة كالدال والمدلول، والصوت والكتابة، والسانكرونية والدياكرونية، واللغة والكلام، والتضمين والتعيين، والمحور الاستبدالي والمحور التركيبي...
هذا، ومن أهم الكتب التي ألفها جاك ديريدا لعرض نظريته التفكيكية، نذكر منها: " علم الكتابة"، و" الكتابة والاختلاف"، و"الصوت والفينومين(الظاهر)" ، وقد صدرت هذه الكتب الثلاثة سنة 1967م، ويعقبها كتاب آخر ألف سنة 1969م، وهو:"التشتيت" (La dissemination)
وعليه، فقد قوض جاك دريدا فلسفة الدال الصوتي الذي هيمن لسانيا على الثقافة الغربية لقرون عدة، منذ أفلاطون إلى فرديناند دي سوسير، ليعوض بالدال الكتابي، وآثاره الباقية، وأطراسه الناسخة. ويعني هذا كله أن فلسفة الدال التي هيمنت على ثقافة الغرب كانت بمثابة ميتافيزيقية مثالية ليس إلا. وبالتالي، يشكل الصوت الحضور والوجود والكينونة الأنطولوجية.أي: رمز تواجد الجسد ، وحضور المتكلمين في الزمان والمكان، وعلامة على حضور الوظيفة التواصلية، والمقصدية التداولية، وتعبير عن الوعي والتفكير والروح. وبتعبير آخر، الصوت إشارة إلى حضور الذات، والغير، والمادة، والمعنى، والوعي. بينما الكتابة ليست أداة للتعبير عن الفكر، لكنها علامة العلامة، ويتموقع خارج الكلام الحي المرتبط بالمتكلم والسامع. علاوة على ذلك، فقد قوض جاك دريدا الصوت والدال الكلامي، وأعطى الأسبقية للكتابة على الصوت. إنها مقاربة منطقية جديدة للإضافة. ومن ثم، تحيل الكتابة على مؤسسة، ونظام مستمر الذي يعد شبكة من الاختلافات. وبهذا، يكون المدلول جماع مجموعة من الاختلافات، وهلم جرا. بمعنى أن ليس هناك مدلول واحد ، بل مدلولات متعددة ومختلفة. أي: ليست هناك دلالة أحادية، بل هناك اختلافات الاختلافات، وآثار الكتابة، وبصماتها الباقية.
وللتوضيح أكثر، فإذا كان دوسوسير يرى أن العلامة تتكون من الدال والمدلول، وأن ليس هناك سوى مدلول واحد متفق عليه، فإن جاك دريدا يرى أن هذا المدلول ليس واحدا، بل هو مدلول متعدد ومختلف ومتناقض . وهكذا، تحيل كلمة الماء على معان متعددة ولامتناهية ما يعطي الحيوية للدال، فالماء قد يعني كأس ماء، أو قطرات من الماء، أو المطر، أو البحر، أو البحيرة... ويعني هذا وجود دلالات غير محددة ومختلفة. بمعنى أن ليس هناك مركزية ولابداية، وتؤدي كل علامة إلى علامة أخرى في شكل سلسلة لامتناهية من الاختلافات المتضادة والمتناقضة مع نفسها، وعلامة العلامة هي الكتابة. ومن ثم، يعلن ديريدا غياب الأصل والجذر والبداية ، مادام هناك ما يسمى بالتناص، وتداخل النصوص، وتعدد المعاني ووفرتها .
أما في مجال الأدب، فلقد انتقد ديريدا فكرة الكتاب التي تحيلنا على فكرة الانسجام، وفكرة الكلية العضوية المحددة، وأحادية المدلول البنيوي. ويعني هذا أن ديريدا يرفض فكرة التأويليين كبول ريكور(Paul Ricoeur) مثلا، فيعتبر بأن الكتاب الحقيقي هو الذي لايرتبط بمبدعه أو مؤلفه أو كاتبه، أو لايحمل هويته الفردية أو الإبداعية، بل الكتاب الحقيقي هو الذي تنعدم فيه الكلية، وتغيب فيه الدلالة، وتكثر فيه الاختلافات وعلامات العلامات.
وعليه، فعلى الرغم من هذا التصور الإقصائي للمرجع الخارجي، والتشكيك في الإبداع الفردي، فإن التفكيكية هي خطة إستراتيجية في القراءة، تعنى بالجزئيات المتشذرة، وتهتم بكل ماهو معقد ومتناقض في النص، وقد انتقلت هذه القراءة التفكيكية من الفلسفة إلى الأدب تنظيرا وتطبيقا وتأويلا مع جماعة ييل(Yale) الأنكلوسكسونية. ومن ثم، فمن الصعب بمكان تحديد القراءة التقويضية بشكل دقيق ؛ نظرا لغموض فلسفة الاختلاف عند ديريدا، وصعوبة استيعاب دلالات مفاهيمها التصورية والذهنية والنظرية، واختلاف الدارسين والباحثين في تفسيرنظريتها بشكل من الأشكال. ويعلم الكل ما تثيره كلمة الاختلاف (Différance) ترجمة ومعجما من مشاكل معقدة في تعيين دلالاتها الحقيقية من ثقافة إلى أخرى. فليست التفكيكية – إذاً- بحثا عن المقصدية أو المبدع أو المؤلف أو الهوية الذاتية، وليس بحثا عن الانسجام، بل التفكيكية هي تلك القراءة التي تؤمن بالغياب الكلي للانسجام. التفكيكية هي في الجوهر تقويض للنص، وهدم له، وتفجير له، وإدخاله في صراع اختلافي مع ذاته. التفكيك – إذاً- هو إثارة التعارضات،ومساءلة الذات والموضوع، وتعرية التفاوتات الاجتماعية، والتراتبيات السياسية والطبقية، واستخلاص التناقضات والاختلافات التي تؤشر عليها قشور السطح، وهي كذلك لاتقتصر على التشريح والشرح والتأويل فقط، بل تعمل جاهدة لرد الاعتبار للمهمش والمدنس والمخفي والمقصي. زد على ذلك، فالتفكيكية هي رفض للهوية والأصول والكينونة، ونفي لهيمنة الأنا على الغير. ومن ثم، فالتفكيكية بصفة عامة هي ضد الأنطولوجيا والميتافيزيقا والمثالية وفلسفات الهوية.
وبناء على ماسبق، تهتم التفكيكية ، على مستوى التأويل، بإبراز التضاد،والتشديد على التعارض والتناقض والاختلاف. ومن ثم، فهي منهجية لاتعنى باستخلاص البنيات الثابتة كما تفعل البنيوية والسيميائيات واللسانيات، بل تستكشف مواطن الاختلاف والصراع والتضاد، وكيف تتلاشى المعاني غيابا وانتظارا وتأجيلا، وتتظافر الاختلافات تضادا وتناقضا وتقويضا وتشتيتا؟!!
وهكذا، يرى جاك دريدا بأن التفكيكية ليست فلسفة، ولامنهجية، ولاتقنية، ولا مجموعة من القواعد أو الإجراءات النظرية والتطبيقية، نحتاج لتعلمها من أجل تطبيقها. ويعني هذا أن التفكيكية فكر إشكالي يطرح السؤال حول السؤال منذ أفلاطون إلى مارتن هايدجر.
وإذا كانت البنيوية اللسانية مع فرنديناند دوسوسوير تركز على الدال الصوتي، مع تهميش الكتابة، فإن ديريدا يركز بشكل بارز على الكتابة وأطراسها البصرية. ومن هنا، يميز رولان بارت (Barthes) بين النص القرائي والنص الكتابي، فالنص الأول :"هو ما يسمح للقارىء فقط أن يفهم بشكل محدد سلفا . أما النص الثاني فهو ما يجعل القارىء منتجا للمعنى الذي يريد. ومن الواضح، أن بارت يفضل النوع الثاني، هذا النص المثالي هو عبارة عن مجرة من الدالات، وليس هيكلا من المدلولات. من الممكن للقارىء تطبيق عدد لاحصر له من التفسيرات لمثل هذا النص. وليس من الضرورة أن يحتاج أيا منها إلى أن يكون جزءا من وحدة شاملة."[3]
وإذا كانت البنيوية تعترف بوجود بنيات ومقولات مركزية، فإن التفكيكية ترفض التمركز، والتبنين، والمعنى الأحادي، والبنيات الثابتة، مادام هناك الاختلاف والتلاشي والتفكيك والتأجيل. ويعني هذا أن التفكيكية تقر بغياب البنية والمركز واللوغوس . ومن ثم، ترفض التفكيكية كل التعارضات الثنائية البنيوية( الدال والمدلول/ الروح والجسد/ الثقافة والطبيعة...)، لتؤمن بفكر التعدد، وتتمثل شرعية الاختلاف والتنوع.
وتأسيسا على ما سبق، يرفض ديريدا الفلسفة الميتافيزيقية الغربية على غرار مارتن هايدجر، مادامت هذه الفلسفة الماورائية مبنية على اللغة والعقل والمنطق والصوت والحضور، كما يرفض الخطاطة السوسيرية التي تميز بين الدال والمدلول، وبين الصوت والكتابة، ويرفض أيضا كل ثنائية زوجية أو تعارض ثنائي يذكرنا بفلسفة الثوابت والنواميس.
3- السيـــاق التاريخـــي للتفكيكيــــة:
ظهرت التفكيكية في 1960م كرد فعل على البنيوية، وهيمنة اللغة، وتمركز العقل، وهيمنة اللسانيات على كل حقول المعرفة. وأصبحت التفكيكية ابتداء من سنة 1970م منهجية نقدية أدبية في الثقافة الأنكلوسوكسونية، وآلية للبلاغة والتأويل. وقد ظهرت هذه المنهجية في سياق ثقافي خاص يتمثل في تقويض مقولات اللسانيات الغربية ، وهدم المرتكزات البنيوية ، وذلك في إطار ما يسمى بما بعد الحداثة(Post Modernism)، وظهور جماعة تيل كيل ، وجماعة ييل (Yale) الأمريكية. كما تندرج فلسفة التفكيك في إطار حركة اليسار التي جاءت لتقوض دعائم المؤسسة الرأسمالية، باسم الثورة، والهدم، والرفض، والشك، والتقويض. ولاننسى أيضا أن فلسفة جاك ديردا فلسفة جيل الثورة والرفض والانتفاضة، والتمرد عن قوانين العقل والمنطق والمؤسسة السياسية . ويعني هذا أن فلسفة جاك ديريدا فلسفة عدمية قائمة على الهدم والتقويض ، وإزاحة الثوابت العقلية التي انبنت عليها الميتافيزيقا الغربية ، تلك الميتافيزيقا القائمة على التمركز والبنية والعلامة والعقل . ويعني هذا، أن التفكيكية أتت في سياق الفلسفات اللاعقلانية الثائرة على الوعي والعقل والنظام والانسجام والكلية .
وعلى أي حال، فأهم عامل ساهم في إفراز الفلسفة التفكيكية هو تنوع المناهج الفلسفية والأدبية، واختلاف تصوراتها النظرية، وتعدد خلفياتها الإبستمولوجية، مثل: البنيوية اللسانية، والسيميوطيقا، والهيرمونيطيقا، والأنتروبولوجيا، والفينومينولوجيا... وفي هذا، السياق، يقول عبد الله إبراهيم: " لقد وصفت الأرضية التي انبثق منها التفكيك، إذ هي مرحلة من مراحل جدل المنهجيات وصراعها. وإذا كانت المنهجيات التقليدية، والمنهج البنيوي، تطمح إلى تقديم براهين متماسكة لحل الإشكال إن في عملية وصف الخطاب أو الاقتراب إلى معناه، فإن التفكيك يبذر الشك في مثل هذه البراهين، ويقوض أركانها، ويرسي على النقيض من ذلك دعائم الشك في كل شيء. فليس ثمة يقين، ويكمن هدفه الأساسي في تصديع بنية الخطاب، مهما كان جنسه ونوعه، وتفحص ما تخفيه تلك البنية من شبكة دلالية. فهو من هذه الناحية ثورة على الوصفية البنيوية. فهو يذهب إلى أن لاضابط قبل التفكيك، ولاضابط في ظله، فهو رحلة شاقة، بل مغامرة محفوفة بالمخاطر، ولا يتوفر له أدنى عامل من عوامل الأمان، في أودية الدلالة وشعابها، دون معرفة دون دليل، دون ضوابط واضحة، وكشوفاته ذاتية، فردية، لاغيرية، جماعية، حقلها الدلالة، وتعويم المدلول المقترن بنمط ما من القراءة.أي: استحضار المغيب، وهذا يقود إلى تخصيب مستمر للمدلول بحسب تعدد قراءات الدال. وبذا، فإن تنازع القراءات فيما بينها للخطاب، يفضي إلى متوالية لانهائية من المدلولات، لايمكن لأحدها أن يستأثر بالاهتمام الكلي دون الآخر، فنقطة بدء القراءة ووجود الدال واحدة، لكن لاخط لنهاية الرحلة، فلا ضوابط رياضية توقف هدير المدلولات التي تستنفرها القراءات، فنبدأ بالشكل كالأجنة، مكونة بؤرا دلالية، وحقولا شاسعة لا يمكن تثبيت حدودها."[4]
وهكذا، فالتفكيكية ظهرت كرد فعل على اللسانيات البنيوية، والسيميوطيقا، والتأويلية (الهيرمينوطيقا)، والظاهراتية، كما ظهرت باعتبارها ثورة مضادة على الميتافيزيقا الغربية ذات الطابع العقلي والمنطقي، كما جاءت نقيضا لفكر اليمين والرأسمال الغربي.
4- مرتكزات المقاربـــة التفكيكيـــة:
تنبني المقاربة التفكيكية على مجموعة من المبادىء والمرتكزات النظرية والتطبيقية التالية:
1- الثورة على العقل أو اللوغوس: ثار جاك ديريدا على مجموعة من المقولات المركزية الكبرى، ولاسيما مقولة العقل أواللوغوس،حيث يقول ديريدا:"أما بالنسبة لنقد هايدجر، فهذا ما كنت أقوم به في الواقع منذ البداية. ففي جوانب كثيرة من عمله، وجدته ما يزال حبيس الرؤية الميتافيزيقية، هناك لديه أولا استمرار لتمركز اللوغوس أو العقل. "[5]
ويعني هذا أن جاك ديريدا مثل مارتن هايدجر ونيتشه قد عملوا جميعهم على الثورة على العقل الذي سيطر لأمد طويل على التفكير الغربي. كما عمل ديريدا على تقويض المنطق ، مستبدلا إياه بالاختلاف والتقويض واللاعقل. ويدل التمركز العقلي على مجموعة من الدلالات، كالحضور، والانسجام ، والوحدة، والهوية، وتمركز الدال الصوتي... ويهدف ديريدا من وراء التمركز العقلي إلى :" تحطيم تلك المركزية المعينة وجوديا بوصفها حضورا لامتناهيا، جاعلا من هذه المقولة دليلا لنقد مفاهيم التمركز، وهادفا إلى معاينة نظم المقولات المعتمدة على الحضور، ويدعو إلى ضرورة التفكير بعدم وجود مركز، فالمركز لايمكن لمسه في شكل الوجود، بل ليس له خاصية مكانية، كما أنه ليس مثبتا موضعيا وظيفيا، إنه، في حقيقة الأمر، نوع من اللامكان، وبغيابه، أو تقويضه، يتحول كل شيء إلى خطاب، وتذوب الدلالة المركزية أو الأصلية المفترضة أو المتعالية، وينفتح الخطاب على أفق المستقبل دونما ضوابط مسبقة، وتتحول قوة الحضور، بفعل نظام الاختلاف، إلى غياب الدلالة المتعالية ، إلى تخصيب للدلالة المحتملة."[6]
وهكذا، تثور فلسفة جاك ديريدا على كل المدارس العقلية التي تشيد بالعقل والمنطق على حد سواء، ويدعو إلى التقويض من أجل تفكيك هذا التمركز الذي تحكم في الفكر الغربي لمدة طويلة.
2- تقويض الميتافيزيقا: أعلن ديريدا نهاية الميتافيزيقا على غرار مارتن هايدجر. وفي هذا السياق، يقول ديريدا:" إن ديني لهايدجر هو من الكبر، بحيث إنه سيصعب أن نقوم هنا بجرده، والتحدث عنه بمفردات تقييمية أو كمية. أوجز المسألة بالقول : إنه هو من قرع نواقيس نهاية الميتافيزيقا ، وعلمنا أن نسلك معها سلوكا إستراتيجيا يقوم على التموضع داخل الظاهرة، وتوجيه ضربات متوالية لها من الداخل.أي: أن نقطع شوطا مع الميتافيزيقا، وأن نطرح عليها أسئلة تظهر أمامها من تلقاء نفسها عجزها عن الإجابة، وتفصح عن تناقضها الجواني. إن الميتافيزيقا، كما عبرت عنه في موضع آخر، ليست تخما واضحا، ولادائرة محددة المعالم والمحيط،يمكن أن نخرج منها ، ونوجه لها ضربات من هذا الخارج. ليس هناك من جهة ثانية خارج نهائي أو مطلق. إن المسألة مسألة انتقالات موضعية، ينتقل السؤال فيها من طبقة معرفية إلى أخرى، ومن معلم إلى معلم، حتى يتصدع الكل، وهذه العملية هي مادعوته بالتفكيك."[7]
وبهذا، يطعن ديريدا في الميتافيزيقا الغربية المبنية على المنطق، واللغة، والحضور، والتمركز العقلاني الذي يشكل معيار الحقيقة والبداهة واليقين ...
وهكذا، فقد وظف ديريدا:" قدرته الحوارية العالية، مستعينا بمقولة التمركز العقلي للعمل على إنشاء هيكل نظريته الشاملة، بمواجهة التراكم الهائل للميتافيزيقا الغربية، فبعد أن أفلح بتجزئة الألفاظ والفرضيات الأساسية، ثم تطوير الأبنية التناقضية والحجج التناقضية التي تنطوي عليها هذه الألفاظ والفرضيات، انتقل إلى صلب موضوعه، ألا وهو تفكيك النظم العامة للفكر الغربي، بدءا من أفلاطون، فأرسطو، وروسو، وديكارت، وفرويد، وصولا إلى معاصريه من الفينومينولوجيين الذي نشأ وإياهم على إفرازات تلك النظم الفكرية من أمثال: هيدجر وهوسرل. لقد قاده الاستقراء والوصف التفكيكي إلى نسف الزعم بوجود معنى موحد له هوية أو تطابق ذاتي ؛ لأن عمله الذي نهض على التعارض وكشف الأبنية المتناقضة بين، له وجود تعارض صميمي في هيكل تلك النظم ، وهو ما أمده بوسائل متطورة لتفكيك تلك النظم من الداخل بوساطة إعادة قراءتها من جديد."[8]
3- نقد فكرة الهوية والخصوصية والجذور الأصلية: يرفض جاك ديريدا التمركز العقلي، ويمقت كل انطواء على تسييد العرق أو الجذر، أو التبجح بالخصوصية المركزية، أوالإيمان بهيمنة عنصر على آخر. وبالتالي، يرفض ديريدا أسطورة الأصل ، كأن ندافع مثلا عن الرجل الأبيض ضد الرجل الأسود ، أو نرجح كفة العرق الغربي أو العرق الآري على حساب الأعراق الأخرى كما فعل المستشرق رينان، أو نتعصب لقومية جنسية مَا، كما فعل مارتن هايدجر حينما تعصب للقومية الألمانية الجرمانية. فعن طريق التفكيك والتقويض والتشتيت، يتم محاربة كل فكر عرقي ، ومجابهة كل تمركز سائد مهيمن.
4- تفكيك مفهوم التاريخ: يرفض ديريدا التاريخ الكلاسيكي القائم على الصوت الواحد المهيمن، ويدعو إلى تاريخانية جديدة متعددة الأصوات، تعنى بالشعوب المهمشة والثقافات المقصية. وفي هذا السياق، يقول ديريدا:"أما عن نسيان التاريخ، فقد أوضحت مرارا وتكرارا أنني تاريخاني بصورة كاملة، وأن ما يهمني دائما هو الانحدار التاريخي لجميع المفهومات التي نستخدمها، وجميع حركاتنا، وأنه إذا كان هناك شيء لايمكن نسيانه فهو التاريخ.إلا أن ما شجع على إطلاق هذه التهم أو غذاها، هو كون مفهوم التاريخ بقي مستخدما لدى الكثير من الفلاسفة والمؤرخين ومؤرخي الفلسفة، وسواء أتعلق الأمر بالمثالية أم المادية، ولدى هيغل أم لدى ماركس، ضمن نزعة غائية بدت لي هي الأخرى ميتافيزيقية، مما جعلني أقف منها موقف المتحفظ، أو المحترس باستمرار، ولكن ليس باسم لا- تاريخية أولا- زمنية، وإنما باسم فكر آخر للتاريخ."[9]
وبهذا، يرفض ديريدا التاريخ المبني على التمركز العقلي، وهيمنة الصوت الواحد، وتسييد العرق الواحد. ومن هنا، فالمرأة المثقفة المعاصرة – مثلا- ترفض التاريخ؛ لأن ذاك التاريخ قد سطر الرجل صفحاته البيضاء، كما يرفض الرجل الأسود تاريخه؛ لأنه من صنع الرجل الأبيض.
2- أسبقية الكتابة على الصوت: يعتبر جاك ديريدا بأن الكتابة هي أصل النشاط الثقافي الإنساني[10] ، وليس الصوت أو الدال الصوتي. ويعني هذا أسبقية الثقافة(الكتابة) على الطبيعة (الصوت). وإذا كان فرديناند دوسوسير قد أعطى الأهمية الكبرى للصوت أوالفونيم باعتباره يمثل المنطق والعقل على حد سواء، فإن جاك ديريدا قد أعطى أهمية كبرى للكتابة باعتبارها تعني التعدد والتشتت والاختلاف. ويخلص ديريدا إلى أن:" أحد أكثر السبل تأثيرا التي نهض عليها التمركز العقلي في الفلسفة الأوروبية، هو اهتمامها بالكلام على حساب الكتابة. فالتمركز المنطقي هو في حقيقة الأمر تمركز صوتي، ويرجع جذر هذا الاهتمام إلى أفلاطون الذي عبر عن الحقيقة قائلا:" إنهاحوار الروح الصامت مع النفس". وهذا التأكيد هو إحدى الدعائم الأساسية لحضور المتكلم مع نفسه. فالحقيقة ، حسب أفلاطون، ماهي إلا المباشرة الصريحة للنفس، كما يتمثل حضور التمركز الصوتي في الحوار بين متحدثين يجمعهما زمان واحد، ومكان واحد، وما سوف يرشح عن حديثهما من معنى أو مقصد حول ماقالاه بالضبط، أو ماقصداه يقولهما على وجه الدقة."[11]
3- تقويض الكلية والانسجام : يعمل جاك ديريدا على تقويض مفهوم الكلية والانسجام في الحقل الثقافي، ولاسيما في مجال تحليل النصوص الأدبية والفلسفية. وفي هذا النطاق، يقول ديريدا:" أنا لاأتعامل والنص. أي نص، كمجموع متجانس. ليس هناك من نص متجانس.هناك في كل نص، حتى في النصوص الميتافيزيقية الأكثر تقليدية، قوى عمل هي في الوقت نفسه قوى تفكيك للنص.هناك دائما إمكانية لأن تجد في النص المدروس نفسه ما يساعد على استنطاقه، وجعله يتفكك بنفسه."[12]
بمعنى أنه إذاكانت البنيوية السردية والسيميوطيقا تبحثان عن كل مظاهر الانسجام الدلالي، وتسعيان إلى إبرازالتشاكل العضوي داخل النص أو الخطاب من أجل إزالة الغموض والالتباس، مع تسهيل عملية القراءة الفعلية، فإن ديريدا جاء ليقوض فكرة الانسجام، محولا النص أو الخطاب إلى عالم من اللانسجام والصراع الداخلي الذاتي، فيتصارع النص مع نفسه عن طريق آليات التفكيك والتقويض والتشتيت، وكشف مواطن التضاد والاختلاف والتناقض.
5- تفكيك النصوص والخطابات: يعتمد ديريدا على آلية التفكيك في تقويض النصوص، وتشريح الخطابات، سواء أكانت أدبية أم فلسفية،وما يهم ديريدا في القراءات التي يحاول إقامتها:" ليس النقد من الخارج، وإنما الاستقرار أو التموضع في البنية غير المتجانسة للنص، والعثور على توترات، أو تناقضات داخلية، يقرأ النص من خلالها نفسه، ويفكك نفسه بنفسه...أن يفكك النص نفسه، فهذا لايعني أنه يتبع حركة مرجعية- ذاتية، حركة نص لايرجع إلا إلى نفسه، وإنما هناك في النص قوى متنافرة تأتي لتقويضه وتجزئته..."[13]
ويعني هذا أن ديريدا يستبعد الخارج النصي، ويتموقع داخل النص أو الخطاب ليمارس لعبة الهدم والتفكيك والتقويض، بغية الإطاحة بالطابوهات الموروثة، ونقد المقولات المركزية السائدة في الثقافة الغربية، وفضح الأوهام الإيديولوجية، ولاسيما إيديولوجية الدولة المهيمنة، والمؤسسات الحاكمة. ولكن التفكيك الذي يمارسه ديريدا ليس بالمفهوم البنيوي والسيميائي الذي يعقبه التركيب ، وإعادة البناء بالمفهوم الإيجابي، فالتفكيك لدى ديريدا من أجل التفكيك والتقويض والاختلاف . أي: باسم الهدم السلبي، والتشتيت المتنافر.
6- تعدد اللغات والمعاني والنصوص: يعرف جاك ديريدا التفكيكية بأنها هي التي لاتؤمن بلغة واحدة. أي: تؤمن بلغات متعددة عبر آليات الاختلاف والتناقض والحوار والتقويض والتناص. ويعني هذا التشديد على التعددية اللغوية والدلالية والثقافية. ويمكن القول بأن تفكيكية جاك ديريدا تفكيكية تعددية اختلافية ، لاتؤمن بمنطق الوحدة، والانسجام، والكلية، والعرقية، والخصوصية، كما تأبى منطق الهيمنة والتمركز والتثبيت ...
ولقد أصبح التناص ، ولاسيما مع جوليا كريستيفا وجماعة ييل الأنكلوسكسونية ، من أهم التصورات النظرية والتطبيقية التي اغتنت بها التفكيكية بصفة خاصة، ومابعد الحداثة بصفة عامة، وخاصة أن التناص يعبر عن تعدد المعاني، واختلاف الدلالات ، وتكرار النصوص والخطابات تناسلا وتوالدا. وبتعبير آخر، لم يقف التفكيك :" عند هذه الحدود، فقد اغتنى إثر اكتشاف التناص، ولم تعد آفاق الدلالة منظورة، فضلا عن ذلك، إن اكتشاف التكرارية من قبل ديريدا قد ألغى الفواصل بين النصوص الأدبية، ولما كانت النصوص متداخلة مع غيرها، يصبح مستحيلا حصر دلالاتها. ويقوم ليتش (Leitch) بتنظيم التكرارية ضمن نظرية طريفة، قيقول: " إن تاريخ كل كلمة في النص مضروبا في عدد كلمات ذلك النص، يساوي مجموع النصوص المتداخلة مع النص الأخير، قيد القراءة، ولتعذر تحديد تاريخ كل كلمة في النصوص السابقة، فإن النصوص المتداخلة لاحصر لها، ومن ثم، فإن دلالاتها لايمكن الوقوف عليها لسعتها وتعددها"".[14]
7- الاختلاف: يرى جاك ديريدا بأن المعنى في النصوص والكتابات المعطاة يتحدد نتيجة تعدد المدلولات بين الكلمات المختلفة. ويعني هذا أن الاختلاف ميسم إيجابي في منهجية ديريدا، فالمعاني تتعدد بتعدد الاختلافات. وإذا كان فرديناند دوسوسير يرى أن للمدلول معنى اتفاقيا واحدا، فإن ديريدا يرى أن لذلك المعنى مدلولات مختلفة لامتناهية ومتعددة . وبهذا، يكون الاختلاف ملمحا إيجابيا يساهم في إثراء اللغة والنص الأدبي أو الفلسفي. ولتوضيح هذا النوع من الاختلاف الإيجابي، استنبت دريدا مصطلح (différance) المقابل للمصطلح السلبي لمفهوم الاختلاف الكلاسيكي (différence). وفي هذا النطاق، يقول ديريدا مميزا بين الكلمتين:"أعتقد أن القلق حول ترجمة هذه المفردة يتجه إلى صميم الشكل. فهي ليست غير قابلة للترجمة إلى العربية فحسب، وإنما حتى إلى الإنجليزية وسواها من اللغات، وحتى إلى الفرنسية بمعنى ما، من حيث إنها تتعارض مع الكلمات المنحدرة من الميراث اللاتيني، كما أنها، في اقتصادها نفسه، غير قابلة للإبدال بمفردة أخرى. ولكن يمكن بالطبع أن نوضح استخدام هذه المفردة، وأن نقيم خطابا حول استخدامها، وحول، مايعبر عن نفسه فيها بصورة اقتصادية، أو مقتصدة، إنني أكتب في الحقيقة على هذا النحو، وأعتبر أنني أكتب حقا حين أذهب في اللغة إلى الحدود التي تصبح معها شبه عصية على الترجمة.هذه طريقة في عدم نسيان أننا نكتب دائما داخل لغة معينة.
أما حول دلالات هذه المفردة، فأنا اعتقد أنها تتضح من خلال سلسلة من المفردات الأخرى التي تعمل معها. الكتابة مثلا، أو الأثر أو الزيادة أو الملحق، وهي جميعا كلمات مزدوجة القيمة، أو ذات قيمة غير قابلة للتعيين: الأثر هو ما يشير وما يمحو في الوقت نفسه.أي: مالايكون حاضرا أبدا. والزيادة هي ما يأتي ليضاف، ومايسد نقصا. و(Hymen) ، مثلما لدى ملارميه، تدل في الوقت نفسه على غشاء البكارة الذي يمنع من النفاذ، ويصون العذرية، وعلى الالتحام في الزيجة. و" الفارماكون"، هذه المفردة، الأفلاطونية، تدل في الوقت نفسه، على السم والترياق، الخير والشر(وجهي الكتابة) الخ.إنها، إجمالا كلمات ليست كلمات، ولامفهومات، وليست قابلة للفصل عن اللغة، وهي تقوم بعمل مماثل للـ" Différance" الاختلاف بحسب التسمية الدريدية، وإن كانت مختلفة عنها أيضا.إنها، إذاً، سلسلة تتمتع كل حلقة منها باستقلالها النسبي، ولكن تتكرر فيها الحلقة المجاورة."[15]
ويعني هذا أن الاختلاف يقوم على تلاشي المعاني ، وتعدد المدلولات، ووفرة المعاني الناتجة عن التشتيت والتضاد والتناقض.
8- الحضور والغياب: ينبني الاختلاف على فلسفة الحضور والغياب، بمعنى أن الدوال تحمل مدلولات تتعدد بالاختلاف، فيحضر هذا المعنى، ويغيب ذاك. وبهذا، تتناسل الاختلافات، وتتعدد المدلولات توالدا وتلاشيا وتفكيكا وتأجيلا وتشتيتا. ويعني كل هذا أن ثمة وحدات تحضر، ووحدات تغيب في الوقت نفسه. ويؤكد هذا انبناء فلسفة التفكيك على فلسفة التقويض ، وآلية تشتيت المعاني وبعثرتها.
9- نقد الثوابت البنيوية: تنبني فلسفة التفكيك على نقد جميع الثوابت البنيوية التي انبنت عليها البنيوية، كاللغة، والصوت، والدال وغير ذلك من المفاهيم والمقولات العقلية والثنائيات البنيوية. ومن ثم، فالتفكيكية بنيوية وغير بنيوية في الوقت نفسه. وبالتالي، تتأرجح التفكيكية بين الداخل والخارج، بين البداية والنهاية، بين البنية واللابنية. وفي هذا السياق، يقول ديريدا:" كانت البنيوية يومذاك مهيمنة. وكان التفكيك ذاهبا في هذا الاتجاه مادامت المفردة تعرب عن انتباه معين إلى البنيات ، التي ليست، ببساطة لا أفكارا ولا أشكالا، ولاتركيبات ولا حتى أنساقا. كان التفكيك هو الآخر حركة بنيوية، أو بأية حال، حركة تضطلع بضرورة معينة للإشكاليات البنيوية. ولكنه أيضا حركة ضد بنيوية، وهو يدين بجانب من نجاحه لهذا اللبس. كان الأمر يتعلق بحل، بفك، بنزع رواسب البنيات، جميع ضروب البنيات اللغوية وتمركزية لوغوسية وتمركزية صواتية، بما أن البنيوية كانت يومها خاضعة بخاصة إلى نماذج لغوية ( نماذج علم اللغة أو الألسنية المدعوة بالبنيوية)، ونماذج اجتماعية مؤسساتية وثقافية وفلسفية ."[16]
وتأسيسا على ماسبق، فإن الفلسفة التفكيكية جاءت لتقوض جميع الثوابت البنيوية والثنائيات التي قامت عليها، خاصة ثنائية الصوت والكتابة، وثنائية الدال والمدلول...
10- التأويل المتناقض والمختلف: يستند الفكر التفكيكي إلى التأويل المبني على الاختلاف والتناقض، وخاصة في مجال الأدب والنقد كما عند الأنجلوسكسونيين؛ لأن ديريدا حصر التفكيك في بداية الأمر في مجال الفلسفة ليس إلا. في حين، توسع التفكيك مع جماعة ييل ليشمل البلاغة والسيميوطيقا وقراءة النص الأدبي، كما هو الحال مع بول دومان ، وهارولد بلوم،وجيوفري هارتمان،وهيليز ميلر...
وعليه، تستعين التفكيكة بقراءة تقويضية همها الأول هو كشف التناقضات والاختلافات الفكرية، وترجيح الهامش على المركز، والاهتمام بالمدنس على حساب المقدس. ومن ثم، فالقارىء هو الذي يمارس القراءة التفكيكية. ومن المعلوم أن التأويل لايوجد داخل النص أو في مرجعه، بل يمارسه القارىء بطريقة ممتعة، لاستكناه الدلالات المتناقضة فيما بينها اختلافا وتلاشيا وتصادما. ومن هنا، فليس هناك دلالة معينة داخل النص، بل يحلل القارىء النص في ضوء تجربته الشخصية، وفي ضوء تجربة قراءته المعينة. ويرى الباحث المغربي الدكتور محمد مفتاح أن التيار التفكيكي يعتمد على:"أسس فلسفية رافضة للثنائيات القديمة، وعلى مفاهيم سوفسطائية وتراث قبالي وفلسفة عدمية. ومنطلقه الأساسي:" أن كل نص لايقبل أو لايحتوي تأويلات مختلفة فقط، ولكنه يقبل تأويلات متناقضة يلغي بعضها بعضا". وقد تفرع عن هذا المبدأ العام عدة تعاليم يمكن إجمالها فيما يلي:
¯ يجب أن يهدم النص حتى يتهاوى نسيجه التعبيري.
¯ أن النص لايتحدث عن خارجه (مرجعه)، بل إنه لايتحدث عن نفسه ، وإنما تجربتنا في القراءة هي التي تحدثنا عنه.
¯ أن النص يمكن أن يقرأ بتجاوز لمعناه التواضعي والاصطلاحي، وهذه القراءة هي نوع من اللعب الحر. وعلى هذا الأساس، فإن تأويلات النص وتعدداتها متعلقة أساسا بمؤهلات القارىء، فالنص بمثابة بصلة ضخمة لاينتهي تقشيرها، وإن السياق العام ومساق النص لا أهمية لهما في التأويل، لأن المقصود ليس الوصول إلى حقيقة ما يتحدث عنه النص، وإنما الهدف تحقيق المتعة، ولذلك، فإنه لا اعتبار للتأويلات الأخرى التي ليست إلا إركامات ممنوحة من قبل النقاد للنص ليلائموا بينه وبين قيمهم."
تلك هي خلفيات التفكيكيين...وهي خلفيات تستقي من تيارات فلسفية تهدف إلى تحطيم البنيات العتيقة بمختلف أشكالها وأنواعها، وإلى تفضيل الشكل، وإلى الأخذ بنسبية مطلقة قد تصل إلى العدمية."[17]
ونفهم من هذا كله غياب الدلالة والحقيقة، ورفض المعطى الخارجي(صاحب النص، وظروفه، وسياقه، وعتباته..)، والتخندق داخل النص بين الانفتاح والانغلاق، والتلذذ بالنص في أثناء عملية القراءة.
5- التفكيكية منهجية في القراءة والكتابة:
من المعلوم أن التفكيكية مدرسة وفلسفة ومنهجية في تحليل الكتابات الأدبية والفلسفية والصحفية. وتنتمي هذه المقاربة إلى الفلسفة المعاصرة أو فلسفة ما بعد الحداثة . وتستهدف هذه المقاربة إلى تحصيل المعاني القائمة على التلاشي والاختلاف. أي: تستكشف المنهجية تلك المعاني المختلفة الموجودة في ثنايا النصوص أو الكتابات. وهناك من يقول بأن التفكيكية ليست طريقة أو منهجية فلسفية أو أدبية، بل هي تطبيق وممارسة فعلية. لكن ديريدا لايعتبر التفكيكية منهجية، والدليل على ذلك صعوبتها، واختلافها عن المنهجيات الأخرى. ولوكانت منهجية لخضعت للتنظير، وكانت لها لغة خاصة بها، وكانت لها قواعد إجرائية معينة ، وهذا ماترفضه التفكيكية التي تثور على القواعد والبنيات الثابتة والمقولات المركزية. فاللغة التي نستعملها ونعبر بها - حسب هايدجر وديريدا ونيتشه- قيدت جميع المفكرين والدارسين ونقاد الأدب، وسيجتهم في قوالب معينة ثابتة، وأغرقتهم في عوالم التخييل والمبالغة والمجاز الكاذب. ويتأرجح ديريدا منهجيا بين الانفتاح والانغلاق، وبين البنيوية وضد البنيوية. ومن ثم، فلابد من تفجير اللغة في أثناء الكتابة، وتثويرها بشكل جذري. ومن هنا، فالتفكيكية هي بناء إبداعي قائم على التثوير ، والتقويض، والتشتيت، والتشديد على الأمل والمستقبل. وإذا كانت التفكيكية قد انطلقت من أوروبا، فإنها اغتنت وانتشرت بشكل من الأشكال في أمريكا الشمالية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. ويعني هذا أن التفكيكية لها نسخة أوروبية ونسخة أميركية. ولم تظهر التفكيكية في الثقافة الأنجلوسكسونية ، باعتبارها منهجية نقدية أدبية لمقاربة النصوص الإبداعية، إلا في سنوات السبعين (1970م) من القرن العشرين، مع مجموعة من النقاد الأمريكيين، مثل: بول دو مان (Paul De Man)،وهيليس ميلر(J.Hillis Miller)،وهارولد بلوم(Harold Bloom)، وجيوفري هارتمان(Geoffrey hartmann)، وشكلوا ما يسمى بمدرسة ييل(Yale).
هذا، ويهدف التأويل التفكيكي إلى استكشاف الاختلاف، واستكناه المعاني المتضاربة والمختلفة فيما بينها. وما يهم في التشريح والتحليل هو الاهتمام باختلافات الدليل وتقويضها، واستخراج العلامات والسمات الاختلافية. " إن تقنية ديريدا الفعلية هي التركيز على النقاط في النص تكون فيه التناقضات واضحة(نقاط عرضية)، حيث تتابع تقنية ديريدا الآثار المترتبة على هذه النقاط، وتؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض أو تفكيك البنيان كله."[18]
هذا، وتنبني منهجية الاختلاف على النقط الأساسية، وهي:
¯ رصد مظاهر الاختلاف والتقويض ، ومواطن التناقض والتضاد في نص أو خطاب ما.
¯ تعيين العناصر المهمشة، وإبراز البنيات والهوامش المقصية. والتركيز على نقطة معينة لتطويقها اختلافا وتناقضا، والإحاطة بها تقويضا وتضادا وتشتيتا.
¯ التعرض لهذه النقط المهمشة بآليات تفكيكية من أجل استكشاف مظاهر الاختلاف والتناقض والتضاد.
¯ إقصاء الخارج النصي من مؤلف، وسياق، وتحقيب تاريخي، وتصنيف أدبي وأجناسي ومدرسي...
¯ الاهتمام بالتناص والتكرار وتداخل النصوص...
¯ ممارسة لغة التشكيك والتقويض والتشتيت والاختلاف، حين التعامل مع الأفكار والمعاني والرسائل المباشرة وغير المباشرة.
¯ الانتقال من الدلالات الظاهرية الصريحة إلى الدلالات الإيحائية العميقة الثاوية وراء السطح.
¯ الاهتمام بالمختلف والمتناقض والمتضاد والمهمش والمدنس...
¯ إعادة الاعتبار للكتابة كالوشم، والأطراس، والآثار وغيرها...
¯ استعمال مجموعة من المفاهيم المصطلحية و الآليات الإجرائية، مثل: التشريح، والتفكيك، والتقويض، والتشتيت، والفضح، والتعرية، والهدم، والبناء...
¯ تعتمد التفكيكية على القراءة الاستكشافية الداخلية للنص والخطاب، و زحزحة الإشكاليات الأساسية، وتشغيل قراءة الحفر والتعرية. وبتعبير آخر، تتم عملية التفكيك باكتشاف الأجزاء المهمشة والمخفية والمطموسة في نص أو خطاب ما،وفرز هذه الأجزاء المخفية بعد نبشها ونشرها على طاولة التشريح والتحليل والتقويض، لمعرفة كيف تمارس دورها ضمن البنية العامة للفكر. و" بالتالي، معرفة نقاطها الضعيفة والقوية، الصالحة والطالحة. وعنذئذ، نتوصل إلى إمكانية أكبر وفعالية أكثر في نقد شروط إنتاج ثقافة معينة والوظائف التي تملؤها هذه الثقافة ، وتقوم بها. إن الهدف الأقصى للتفكيك يتمثل بإتاحة معرفة أفضل للظواهر البشرية والاجتماعية والتاريخية، ومعرفة كيف تشكلت وانبنت. كما أنه يقوم بوظيفة تحريرية وتطهيرية مؤكدة."[19]
ويعني هذا كله أن التفكيكية تعتمد على خطوتين إجرائيتين، وهما: التفكيك التشريحي القائم على رصد الاختلافات والمتناقضات والمعاني المتعددة اللامتناهية، وإعادة تركيبها ليس في ثوابت مقولاتية أو في شكل قواعد صورية أو بنيات مجردة كما تفعل البنيوية السردية والسيميوطيقا، بل تتم إعادة البناء عن تقويض كل الدلالات، وتشتيتها تفكيكا وتأجيلا.
6- رواد التفكيكية في العالمين: الغربي و العربي:
تمثل مجموعة من الفلاسفة ونقاد الأدب فلسفة الاختلاف أو المقاربة التفكيكية منهجا للبحث والقراءة والدراسة، وتشريح النصوص والخطابات الفلسفية والأدبية والتاريخية والنصوص الدينية المقدسة، وكل ذلك من أجل إضاءة بعض النقاط المعتمة ، وتقويض الأدلة والمدلولات، بغية هدم المقولات المركزية المهيمنة، وإعادة النظر في ما هو مهمش ومقصي ومستبعد من الفكر الإنساني. فالرواية النسائية – مثلا- نموذج للتفكيكية ، حيث تبين هذه الرواية الصراع المضاد ضد العادات والتقاليد الموروثة، مع نقد سلطة الرجل وسلطة المؤسسة البطريركية.
ومن أهم التفكيكيين الغربيين ، نستدعي: مارتن هايدجر(Heidegger)، ونيتشه(Neitsze)، وجاك ديريدا(Derrida)، ورولان بارت (Barthes)، وجان لوك نانسي (Jean-Luc Nancy)، وفيليب لاكو لابارث(Philippe Lacoue-Labarthe)، وجوليا كريستيفا(Julia Kristeva)، وهيلين سيكسو(Hélène Cixous)، وبرنارد شتايكلير(Bernard Stiegler)، ولويس دي ميراندا(, Luis de Miranda)، وريشارد روتي (Richard Rorty)، وأفيتال رونيل (Avital Ronell)، وفرانسوا نول (François Nault)، وجورج شتاينر(George Steiner)، وإيفيس سيطون(Yves Citton)، وجاك إيرمان(Jacques Ehrmann)، وتيودور أدورنو(Théodore Adorno)...
ومن أهم روادها في الثقافة الأنكلوسكسونية، نذكر: بول دو مان (Paul De Man)،وهيليس ميلر(J.Hillis Miller)، وهارولد بلوم(Harold Bloom)، وجيوفري هارتمان(Geoffrey hartmann)،وقد شكلوا جميعا ما يسمى بمدرسة ييل(Yale).
أما عن التفكيكيين العرب، فيمكن الحديث في مجال الفلسفة عن: إدوارد سعيد في كتابه:"الاستشراق "[20]، وعبد الكبير الخطيبي في مجموعة من كتبه، ولاسيما:" النقد المزدوج"[21]، وكتاب " في الكتابة والتجربة"[22]، و"الاسم العربي الجريح"[23]، ومحمد أركون في كتابه:" الفكر الإسلامي: قراءة علمية "[24]، وعبد السلام بنعبد العالي في كتابه:"أسس الفكر الفلسفي المعاصر"[25]، ومحمد نورالدين أفاية في كتابه:" الهوية والاختلاف"[26]، وفتحي التريكي في كتابه:" قراءات في فلسفة التنوع"[27]، وعلي حرب في كتابه:" نقد النص"[28]،و" هكذا أقرأ مابعد التفكيك "[29]، ومطاع صفدي في كثير من مقالاته المنشورة في مجلة الفكر العربي المعاصر[30]، ومحمد أحمد البنكي في كتابه:" دريدا عربيا/ قراءة في الفكر النقدي العربي"[31]، وعلي أومليل في كتابه:" شرعية الاختلاف"[32]...
أما عن التفكيكيين العرب في مجال الأدب والنقد، فنستدعي كلا من: عبد الله الغذامي في كتابه:" الخطيئة و التكفير: من البنيوية الى التشريحية[33]" ، ومحمد مفتاح في كتابه:" مجهول البيان"[34]، وكتابه:" تحليل الخطاب الشعري"[35]، وعبد الله إبراهيم في كتابه:" التفكيك: الأصول والمقولات"[36]، وهشام الدركاوي في كتابه:"التفكيكية:التأسيس والمراس"[37]، وسعد البازعي في كتابه:" استقبال الآخر(الغرب في النقد العربي الحديث"[38]، وكتابه:"الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف[39]"،وكتابه مع ميجان الرويلي:" دليل الناقد الأدبي"[40]، وعبد العزيز حمودة في كتابه:"المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية"[41]، وعبد الملك مرتاض في كتابه:" دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة" أين ليلاي" لمحمد العيد"[42]، وبسام قطوس في كتابه:" إستراتيجيات القراءة ـ التأصيل والإجراء النقدي "[43]، وخالد أمين في كتابه:" الفن المسرحي وأسطورة الأصل"[44]...
7- قيمــــــة التفكيكيــــة:
أصبحت التفكيكية منهجية مطبقة في الفلسفة والأدب والفن وجميع حقول الثقافة ، وخاصة في الثقافة الأنجلوسكسونية. وقد تم ترحيلها من حقل الفلسفة واللاهوت إلى حقل الأدب والبلاغة والتأويل مع جماعة ييل.
ومن المعروف أن التفكيكية هي طريقة لفضح الأوهام والأخطاء الشائعة، واكتشاف المتناقضات في الأفكار والمعاني والاتجاهات والمعتقدات، وتعرية أوهام الإيديولوجيا، وتشغيلها أداة للحوار والاختلاف البناء، واستعمالها آلية للحفروالنبش والتنقيب في النصوص والخطابات، وآلية منهجية لإعادة قراءة التاريخ، وقراءة الهامش في تقابله مع المركز، وهي بمثابة :" نوع من السيميولوجيا للحياة اليومية التي تزخر بالدلالات والعلامات."[45]
وهكذا، فإن التفكيكية هي مقاومة للترهات والحماقات والخزعبلات، وكتابة للدفاع عن اللامعقول. كما أنها نبراس لكشف المختلف عن طريق تجليته، والإحاطة به تقويضا وتشتيتا وتأجيلا، بغية تحريره من الترسبات الفكرية المغلقة والمحنطة، وتخليصه من رواسب العادات الموروثة، والتقاليد المضللة التي تسيج الفكر في مجموعة من الأنماط الجاهزة والقوالب النمطية.
هذا، وقد تعرضت التفكيكية لانتقادات عنيفة سواء في شقها الأدبي أو الفلسفي، وخاصة في شعب الأدب في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية. فما يلاحظ على التفكيكية أولا أنها رؤية فلسفية غامضة في طرحها النظري والمنهجي، وأن مقولاتها ومفاهيمها أكثر تعقيدا وصعوبة وإبهاما، فإذا أخذنا – مثلا- مصطلح التفكيك عند ديريدا، فيختلف عن مفهوم التفكيك عند البنيويين ، فهو عند البنيويين إيجابي يحترم ثوابت العقل والمنطق واللغة الكلامية. في حين، يعني التفكيك عند ديريدا الهدم ، والتقويض، والتشتيت، وبعثرة الدلالات المختلفة بشكل عدمي وسلبي. ويعترف ديريدا بذلك شخصيا حينما يقول:" إن صعوبة تحديد مفردة التفكيك. وبالتالي، ترجمتها، إنما تنبع من كون جميع المحمولات وجميع المفهومات التحديدية وجميع الدلالات المعجمية، وحتى التمفصلات النحوية التي تبدو في لحظة معينة وهي تمنح نفسها لهذا التحديد وهذه الترجمة، خاضعة هي الأخرى للتفكيك وقابلة له، مباشرة أو مداورة،إلخ... وهذا يصح على كلمة التفكيك وعلى وحدتها، مثلما على كل كلمة..."[46]
كما تختلف النسخة الأمريكية من التفكيكية عن النسخة الأوروبية الدريدية في كثير من المبادىء والأفكار. والسبب في هذا التباعد هو الترجمة لأفكار ديريدا من الأصل الفرنسي إلى اللغة الإنجليزية؛ مما أفقد هذه الأفكار دلالاتها الاصطلاحية الأصلية، ومفاهيمها العميقة. فالترجمة - كما قيل- خيانة، وخير دليل على ذلك ترجمة مصطلح الاختلاف الذي أثار كثيرا من سوء الفهم في الثقافة الأنجلوسكسونية والثقافة اليابانية.
ومن المعلوم أن التفكيكية – باعتبارها إيديولوجية راديكالية- متشبعة بأفكار كارل ماركس الثورية. لذا، تحسب هذه النظرية الفلسفية الجديدة على سياسة اليسار، وفكر مابعد الحداثة ، كما أن ديريدا محسوب على اليسار الفرنسي. وهنا، ننبه إلى أن لا علاقة للتفكيكية بفشل ثورة الطلاب بفرنسا سنة1968م؛ لأن ديريدا كتب أفكاره في سنوات الخمسين وبدايات الستين من القرن الماضي. ومن ثم، فمدرسة ييل الأمريكية مختلفة سياسيا وإيديولوجيا عن سياسة ديريدا؛ لأن المدرسة تدافع عن سياسة أمريكا الليبرالية ذات الطابع الرأسمالي. وهناك من يتهم التفكيكية وما بعد الحداثة بالنعوت السلبية بأنها ترعى جيلا بلا مواطنة، وذا وعي ثوري رافض وعدمي ، وذا تفكير سلبي.
وهكذا، فالتفكيكية في جوهرها هي ضد الأفكار السياسية ذات الطابع المؤسساتي. لذا، تحارب التفكيكية البنيوية والسيميائية. ومن هنا، فديريدا يطالب بتعرية الخطاب الرسمي، وفضح مقاصده الإيديولوجية؛ لأن الإيديولوجيا تتخفى وراء الخطاب. ومن هنا، يستعمل ديريدا خطابه التفكيكي التقويضي لمناهضة الديمقراطية الرأسمالية، واستبدالها بديمقراطية مستقبلية ستحل يوما ما.
ويرى كثير من الباحثين والدارسين بأن التفكيكية قد ابتعدت كثيرا عن أفكار جاك ديريدا كما طرحها في أصولها الحقيقية. ولم يلتزم أصحابها بوعود ديريدا، ولم يتقيدوا بشروطه النظرية والتوجيهية.
هذا، ويرفض ديريدا أن تتحول التفكيكية إلى منهجية أو طريقة نقدية لقراءة الأدب، لكن التفكيكيين في الولايات المتحدة حولوها إلى طريقة في التأويل النقدي، وقراءة النصوص الأدبية كما هو حال بول دومان. وبهذا، أصبحت التفكيكية طريقة في القراءة والتأويل وتشريح النصوص والخطابات كيفما كان نوعها.
10- هل يمكن قراءة الكتب المقدسة في ضوء المقاربة التفكيكية؟
يمكن لنا قراءة القرآن نصا وخطابا وكتابا في ضوء المقاربات العلمية والموضوعية كالبنيوية اللسانية والسيميوطيقا والهيرمونيطيقا القائمة على التأويل. لكن هل يمكن قراءة القرآن اعتمادا على التفكيكية بالمفهوم الدريدي؟ في اعتقادنا ، لايمكن إطلاقا أن ندرس القرآن انطلاقا من المنهجية التفكيكية تشريحا واختلافا. لأن القرآن يحوي حقائق وبنيات عقائدية وتشريعية ثابتة، من الصعب الطعن فيها لقدسيتها الربانية، كما أن ما ورد في القرآن الكريم يقيني وثابت ومحكم، لايمكن التشكيك فيه بأي حال من الأحوال.
فعلا، يمكن تفكيك القرآن بنيويا وسيميائيا من أجل معرفة البنيات السردية أو المنطقية التي تتحكم في توليد الآيات القرآنية أو دراسة قصص القرآن الكريم قراءة سيميائية لمعرفة الثوابت التكوينية في تلك القصص السردية. ولكن يستحيل تطبيق التفكيك بمفهوم جاك ديريدا؛لأن منهجية ديريدا التفكيكية قائمة على الهدم والتقويض والتشكيك ، وتعرية السائد، وفضح الإيدولوجيا، والثورة على الانسجام. في حين، نجد أن القرآن الكريم خطاب متجانس في آياته وأحكامه التشريعية، ولاعلاقة له بالإيديولوجيا لامن قريب ولا من بعيد. زد على ذلك، فالتفكيكية تعمد إلى الهدم والثورة والرفض، ونقد المقولات المركزية في الفكر الغربي بصفة خاصة، والفكر العالمي بصفة عامة كاللغة، والعقل، والتاريخ، والعرق، والصوت...وغيرها من المقولات التي تمثلها الفكر الإنساني. أما القرآن فيتسم بالانسجام والاتساق والإعجاز، والدعوة إلى استخدام العقل لمعرفة الله، وتعمير الدنيا. كما أن القرآن ليس فكرا بشريا لتعريته، وليس إيديولوجيا بشرية أو سياسية للإطاحة بها، ونقدها تفكيكا وتشريحا. علاوة على ذلك، ترفض فلسفة ديريدا التفكيكية بشكل مطلق كل التعارضات والثنائيات الزوجية: الروح والجسد ، والعقل والمادة، والحياة والموت... في حين، ينبني القرآن الكريم على مجموعة من الثنائيات المتقابلة ، كالليل والنهار، والحياة والموت، والمذكر والمؤنث، والعلم والجهل، والسعادة والشقاء، والجنة والجحيم...
أضف إلى ذلك أن فلسفة ديريدا هي فلسفة التقويض، والفوضى، والهدم، وإشاعة السلبية، وإثارة نزعات الصراع والاختلاف، والقرآن الكريم بعيد كل البعد عن هذا، فهو كتاب ديني مقدس، يهدف إلى ترقية الإنسان ماديا وروحيا، والسمو به بشريا وأخلاقيا ونفسيا، وهدايته إلى السبيل الصحيح للفوز بالدنيا والآخرة.أي: إنه كتاب عقدي إيجابي في خدمة الإنسان، والحفاظ على الفرد والجماعة ، وذلك ضمن نظام مجتمعي ثابت قوامه الاحتكام إلى الشريعة الربانية. ومن ثم، فالقرآن ضد الاختلاف من أجل الاختلاف، أو إثارة الفتنة والغواية والشقاق بين طبقات المجتمع.
علاوة على ذلك، فالقرآن لايقبل الفلسفة السلبية القائمة على العدمية، والنسبية المطلقة ، والرفض لماهو ثابت ويقيني.
وما يمكن قوله عن القرآن، يمكن قوله عن الكتب المقدسة الأخرى كالتوراة والإنجيل، فحينما تحارب التفكيكية المنطوق الصوتي، والوحدة والانسجام والنظام والثبات والمركز، فهي في الحقيقة تحارب عقيدة التوحيد، ولا تعلم أن هذا الكون المنظم له رب خبير عليم. وفي هذا الصدد، يقول ديفيد كارتر(David Carter):"ظهرت البوادر الأولى لهذه الثورة التفكيكية في مقالة قدمها ديريدا في جامعة جونز هوبكنز في أمريكا في عام 1966م بعنوان:" البنية والعلامة واللهو في خطاب العلوم الإنسانية". وللتعبير عما كان ثوريا فيها باختصار، فقد برهن ديريدا بأنه حتى البنيوية تفترض وجود مركز للمعنى من نوع ما، كما يفترض الأفراد مركزية ضمير " أنا" في وعيهم، ويضمن هذا المركز الشعور بوحدة الوجود. ولكن بالنسبة لديريدا أدت التطورات في الفكر الغربي حتما إلى عملية التهميش. تقليديا كانت هناك دائما عمليات تمركز أو تمحور : الوجود، والنفس، والجوهر، والله، إلخ. وهذه الحاجة الإنسانية سماها ديريدا مركزية المعنى. وهذا مستمد من استخدام العهد الجديد لمصطلح علامة (التي تعني في اليونانية كلمة) للتعبير عن اعتقاد المسيحية بأن السبب الرئيس لجميع الأمور هو كلمة الله:" في البداية كانت الكلمة". وبالتالي، في مركزية المعنى تكون الكلمة المنطوقة أقرب إلى الفكر من الكلمة المكتوبة. يسمى ديريدا ذلك مركزية الصوت التي تفترض دائما وجود النفس. عندما نسمع الكلام، فإننا نفترض وجود المتحدث. ولانفعل الشيء نفسه في الوجود الكتابي عندما نقرأ الكتابة. وبهذه الطريقة، تتيح الكتابة لنفسها مجالا للتفسير ، وإعادة التفسير؛ لأننا نستطيع أن نعيد القراءة والتحليل بسهولة أكبر."[47]
وهكذا، يبدر إلى أذهاننا أن التفكيكية ، باعتبارها مقاربة فلسفية تقويضية، تتعارض مع الكتب المقدسة جميعها، تلك الكتب التي أعطت أهمية كبرى للدال الصوتي بيانا وفصاحة وبلاغة، تلك الكتب التي تؤمن بالنظام الرباني المنسجم، وتؤكد تناسق هذا الكون بإرجاعه إلى عظمة الله وقدرته الخارقة. والهدف من خلق الإنسان، واستخلافه في الأرض،هو تعمير الكون، والجمع بين العبادة والعمل. ومن ثم، فالبناء هو الأساس في سنة الحياة، أما التقويض فهو النشاز والشذوذ والغرابة.
خلاصات ونتائـــج:
يتبين لنا من هذا كله بأن التفكيكية رؤية فلسفية جديدة إلى الإنسان والمعرفة والوجود والعالم والقيم، وهي أيضا منهجية تشريحية في القراءة، والتأويل ، وتحليل الخطاب الأدبي. وما يهمنا في هذه المنهجية أنها تنبني على تبيان شرعية الاختلاف، ورصد التنوع الثقافي، وكشف ثقافة الاختلاف، وتعتمد على آلية الحفر والتعرية والتنقيب، واستقراء المعاني المضمرة المختفية تحت السطح، وتكشف كثيرا عن المغالطات الموروثة، وتشكك في كثير من القيم الزائفة السائدة، وتغربل كثيرا من الحقائق تفكيكا وتقويضا وتضادا، فتركز على بواطن أخطائها وقوتها، ثم تستكنه تناقضاتها ، ثم تبرز اختلافها وتضادها. وتسعفنا التفكيكية كثيرا في فهم النصوص والخطابات التي تزخر بالأوهام الإيديولوجية، ولاسيما تلك التي تدافع عن عرق على حساب عرق آخر، أو تسيد ثقافة على حساب ثقافة أخرى، أو تخدم مصلحة طبقة اجتماعية على حساب طبقة أخرى، كما تفضح الخطابات التي تمرر الأوهام والأهواء والخرافات سياسيا وفلسفيا وأدبيا.
وعلى الرغم من إيجابيات التفكيكية، فإنها فلسفة سلبية عدمية، تشكك في كل شيء ، وليس ذلك من أجل الوصول إلى اليقين، مثل: الكوجيطو الديكارتي:" أنا أفكر. إذاً، أنا موجود"، بل هي تشكك من أجل الشك والتقويض والهدم. وتسعى جاهدة إلى نسف التقاليد والعادات ، وإزاحة الثوابت والمقولات المركزية، وتسفيه القيم الموروثة، والتشكيك حتى في الكتب الدينية المقدسة، وإخضاعها لمشرح التأويل الاختلافي، والتشتيت التقويضي. زد على ذلك، فهي لاتعترف بالخارج النصي، كالمؤلف، والسياق، واللغة، والقارىء، والحقيقة، والعقل، والبنية، والتاريخ... إنها ممارسة للاختلاف من أجل الاختلاف، وتقويض متعمد من أجل الهدم، لا من أجل البناء والتركيب. ويعني هذا كله أن التفكيكية هي فلسفة الرفض، والعدمية، والتقويض، والهدم، والتضاد، والجدال السلبي، حيث يتلاشى الكل، وينهار الواقع، ويتفكك النص والخطاب على حد سواء ، فيخوض النص حربا ضد نفسه تآكلا وتضادا واختلافا. ومن هنا، فحاجتنا ماسة إلى منهجية البناء والتثبيت والتأسيس، لا إلى منهجية تقويضية تستهدف الهدم والتقويض والبعثرة والتشتيت. بمعنى أن جاك ديريدا قد وقف عند محطة التقويض، ولم يتجاوزها إلى محطة الـتأسيس الحقيقي والفعال، والبناء الهادف، وتقديم البديل الحضاري الممكن لإنقاد البشرية من براثن المادة، وسطوة الرأسمال، وثقافة الاستهلاك.
المصادر والمراجع والمقالات:
1- إدوارد سعيد: الاستشراق، ترجمة: كمال أبوديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، لبنان، البطعة السابعة، سنة 2005م.
2- بسام قطوس: استراتيجيات القراءة ـ التأصيل والإجراء النقدي، دار الكندي، إربد، الأردن، 1998م.
3- جاك ديريدا: الكتابة والاختلاف، ترجمة: كاظم جهاد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1988م.
4- د.خالد أمين: الفن المسرحي وأسطورة الأصل، مطبعة ألطوبرس، طنجة، المغرب، الطبعة الثانية، 2007م.
5- ديفيد كارتر: النظرية الأدبية، ترجمة: د.باسل المسالمه، دار التكوين، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2010م.
6- فتحي التريكي: قراءات في فلسفة التنوع، دار التنوير للنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1988م.
7- د.سعد البازعي: استقبال الآخر(الغرب في النقد العربي الحديث)،المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2004م.
8- د.سعد البازعي: الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2008م.
9- د.سعد البازغي ود.ميجان الرويلي : دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 2000م.
10- عبد السلام بنعبد العالي: الفلسفة أداة للحوار، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م.
11- عبد السلام بنعبد العالي : أسس الفكر الفلسفي المعاصر: مجاوزة الميتافيزيقا ، دار توبقال ،الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 1991م.
12- عبد العزيز حمودة : المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية، سلسلة عالم المعرفة، العدد:232، السنة 1998م.
13- عبد الكبير الخطيبي، النقد المزدوج، دار العودة، بيروت،لبنان، طبعة 1980م.
14- عبد الكبير الخطيبي: في الكتابة والتجربة، ترجمة: محمد برادة، دار العودة، بيروت، لبنان، طبعة 1980م.
15- د.عبد الكبير الخطيبي: الاسم العربي الجريح، دار العودة، بيروت،لبنان، الطبعة الأولى 1980م.
16- د. عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م.
17- عبد الله إبراهيم ، وسعيد الغانمي، وعواد علي: معرفة الآخر ، مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م.
18- عبد الله الغذامي: الخطيئة و التكفير: من البنيوية إلى التشريحية، نظرية و تطبيق، المركز الثقافي العربي،بيروت، لبنان، الطبعة السادسة، 2006م.
19- عبد الملك مرتاض: دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة (أين ليلاي) لمحمد العيد، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، الطبعة الأولى سنة 1992م.
20- د.علي أومليل: في شرعية الاختلاف،المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط، المغرب،الطبعة الأولى سنة 1991م.
21- علي حرب: نقد النص، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، طبعة ثانية 1995م.
22- علي حرب : هكذا أقرأ ما بعد التفكيك ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2005م.
23- محمد أحمد البنكي في كتابه: دريدا عربيا/ قراءة في الفكر النقدي العربي،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2008م.
24- د.محمد أركون: الفكر الإسلامي: قراءة علمية، ترجمة: هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، طبعة 1987م.
25- محمد مفتاح: مجهول البيان، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م، ص:101.
26- محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري(إستراتيجية التناص)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأاولى سنة 1985م.
27- محمد نورالدين أفاية: الهوية والاختلاف، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988م.
28- مطاع صفدي: (في الذات الحي بعد كل تفكيك)، مجلة الفكر العربي المعاصر، العددان:152-153، السنة 2010م،
هشام الدركاوي: التفكيكية: التأسيس والمراس، دار الحوار، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2011م.
29- هشام صالح: (بين مفهوم الأرثوذكسية والعقلية الدوغمائية)، الفكر الإسلامي: قراءة علمية،ترجمة: هشام صالح، محمد أركون، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، طبعة 1987م.
30-Christopher Norris: Deconstruction: Theory and Practice, Routledge, London-New York, 2édition 1991.
31- Jack Derrida: De la grammatologie,Paris,Minuit,1967.
32- Jack Derrida :L'écriture et la différence,Paris,Seuil,1967.
33-Jack Derrida: La dissèmination,Paris,Seuil,1972.
34- Jack Derrida: Marges de la philosophie,Paris,Minuit,1972.
35- Jack Derrida: Memoires for Paul de Man, New York, Columbia .Univ.Press, 1986.
[1] -Christopher Norris: Deconstruction: Theory and Practice, Routledge, London-NewYork, 2édition 1991, p: 2.
[2] - ألف جاك ديريدا مجموعة من الكتب حول النظرية التفكيكية، منها:
¿De la grammatologie,Paris,Minuit,1967.
¿L'écriture et la différence,Paris,Seuil,1967.
¿La dissèmination,Paris,Seuil,1972.
¿Marges de la philosophie,Paris,Minuit,1972.
¿ Memoires for Paul de Man, New York, Columbia .Univ.Press, 1986.
[3] - ديفيد كارتر: النظرية الأدبية، ترجمة: د.باسل المسالمه، دار التكوين، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2010م،ص:112.
[4] - د. عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م، ص:44-45.
[5] - جاك ديريدا: الكتابة والاختلاف، ترجمة: كاظم جهاد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1988م، ص:47.
[6] - د.عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، ص:61-62.
[7] - جاك ديريدا: الكتابة والاختلاف، ص:47.
[8] - د.عبد الله إبراهيم: نفس المرجع، ص:65-66.
[9] - جاك ديريدا: المرجع نفسه، ص:52.
[10] - Christopher Norris. Deconstruction.theoty and practice, p: 32.
[11] - د.عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، ص:63.
[12] - جاك ديريدا: المرجع نفسه، ص:49.
[13] - جاك ديريدا: المرجع نفسه، ص:47.
[14] - عبد الله إبراهيم ، وسعيد الغانمي، وعواد علي: معرفة الآخر ، مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م، ص:130-131.
[15] - جاك ديريدا: المرجع نفسه، ص:53.
[16] - جاك ديريدا: المرجع نفسه،ص: 59-60.
[17] - د.محمد مفتاح: مجهول البيان، ص:101-102.
[18] - ديفيد كارتر: النظرية الأدبية، ص:119.
[19] - هشام صالح: (بين مفهوم الأرثوذكسية والعقلية الدوغمائية)، الفكر الإسلامي: قراءة علمية،ترجمة: هشام صالح، محمد أركون، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، طبعة 1987م، ص:10.
[20] - إدوارد سعيد: الاستشراق، ترجمة: كمال أبوديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، لبنان، البطعة السابعة، سنة 2005م.
[21] - عبد الكبير الخطيبي، النقد المزدوج، دار العودة، بيروت،لبنان، طبعة 1980م.
[22] - عبد الكبير الخطيبي: في الكتابة والتجربة، ترجمة: محمد برادة، دار العودة، بيروت، لبنان، طبعة 1980م.
[23] - د.عبد الكبير الخطيبي: الاسم العربي الجريح، دار العودة، بيروت،لبنان، الطبعة الأولى 1980م.
[24] - د.محمد أركون: الفكر الإسلامي: قراءة علمية، ترجمة: هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، طبعة 1987م.
[25] - عبد السلام بنعبد العالي : أسس الفكر الفلسفي المعاصر: مجاوزة الميتافيزيقا ، دار توبقال ،الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 1991م.
[26] - محمد نورالدين أفاية: الهوية والاختلاف، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988م.
[27] - فتحي التريكي: قراءات في فلسفة التنوع، دار التنوير للنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1988م.
[28] - علي حرب: نقد النص، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، طبعة ثانية 1995م.
[29] - علي حرب : هكذا أقرأ ما بعد التفكيك ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2005م.
[30] - مطاع صفدي: (في الذات الحي بعد كل تفكيك)، مجلة الفكر العربي المعاصر، العددان:152-153، السنة 2010م، ص:4-21.
[31] - محمد أحمد البنكي في كتابه: دريدا عربيا/ قراءة في الفكر النقدي العربي،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2008م.
[32] - د.علي أومليل: في شرعية الاختلاف،المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط، المغرب،الطبعة الأولى سنة 1991م.
[33] - عبد الله الغذامي: الخطيئة و التكفير: من البنيوية إلى التشريحية، نظرية و تطبيق، المركز الثقافي العربي،بيروت، لبنان، الطبعة السادسة، 2006م.
[34] - محمد مفتاح: مجهول البيان، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م، ص:101.
[35] - محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري(إستراتيجية التناص)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأاولى سنة 1985م.
[36] - د.عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م.
[37] -هشام الدركاوي: التفكيكية: التأسيس والمراس، دار الحوار، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2011م.
[38] - د.سعد البازعي: استقبال الآخر(الغرب في النقد العربي الحديث)،المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2004م.
[39] - د.سعد البازعي: الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2008م.
[40] - د.ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 2000م.
[41] - عبد العزيز حمودة : المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية، سلسلة عالم المعرفة، العدد:232، السنة 1998م.
[42] - مرتاض، عبد الملك: دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة (أين ليلاي) لمحمد العيد، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، الطبعة الأولى سنة 1992م.
[43] - قطوس، بسام: استراتيجيات القراءة ـ التأصيل والإجراء النقدي، دار الكندي، إربد، الأردن، 1998م.
[44] - د.خالد أمين: الفن المسرحي وأسطورة الأصل، مطبعة ألطوبرس، طنجة، المغرب، الطبعة الثانية، 2007م.
[45] - عبد السلام بنعبد العالي: الفلسفة أداة للحوار، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م، ص:80.
[46] - جاد ديريدا: المرجع نفسه، ص:62.
[47] - ديفيد كارتر: النظرية الأدبية، ص:118.