* تمهید:

على الرغم من أن الوعی الجمالی AESTHETIC CONSCIOUSNESS یشكّل الأساس الذی انطلقت منه الحداثة الشعریة العربیة، إلا أنه بقی ثانویاً أو هامشیاًبالنسبة إلى النقد الأدبی المعاصر، فی إجابته عما هو أساسی فی هذه الحداثة. وعلى الرغم من أن هذا النقد لم یكد یترك ظاهرة من ظواهر الحداثة الشعریة، من دون معالجة أو دراسة نقدیة، فإن اهتمامه بما هو جمالی عامة بقی أقل قیمة من اهتماماته الأخرى.

ولعل السبب الأبرز فی ذلك یكمن فی قلة عنایة هذا النقد بعلم الجمال AESTHETICS تنظیراً وتطبیقاً. وهو ماانعكس سلباً على بعض أطروحات هذا النقد، من مثل عدم الربط، أو ضآلته، بین الظاهرة الشكلیة وأساسها الجمالی، ومن مثل تحویل الجزئی إلى كلی، وتعمیم الخاص بهذا الشاعر أو ذاك على الحداثة الشعریة عامة؛ ومن مثل التعامل مع هذا المستوى الفنی أو ذاك بمعزل عن المستویات الأخرى من جهة، وعن المضمون الجمالی من جهة ثانیة. ولاشك فی أننا لانتهم النقد المعاصر بالقصور عن وعی ظاهرة الحداثة. إذ إن واقع الحال یؤكد أن هذا النقد، فی معظمه، كان على درجة عالیة من الفهم والتبصر بهذه الظاهرة، كما كان على درجة من المتابعة النقدیة لها، بشكل لم یسبق له مثیل فی تاریخ النقد العربی. بحیث یمكن القول إن حركة الحداثة الشعریة لم یكن لها أن تأخذ ماأخذته من أهمیة كبرى فی الثقافة العربیة المعاصرة، بهذه السرعة القصوى؛ لو لم تصاحبها حركة نقدیة نشطة، تتناولها بالدرس والبحث والعنایة، وتتحمّس لما تطرحه من جدید یختلف عما هو معهود فی الشعر العربی، ویتلاءم ومنطق التحدیث الذی یتبناه النقد الأدبی الحدیث عامة.

ولكن اللافت للنظر فی هذا النقد هو غیاب التحلیل النقدی، أو ضآلته، لعلاقة ظاهرة الحداثة بالظاهرة الجمالیة عامة، والوعی الجمالی خاصة. ومعظم مایقال فی هذه المقاربة النقدیة أو تلك عن هذه العلاقة هو أن ثمة ذوقاً جمالیاً جدیداً راح یتبلور عربیاً؛ أو أن تغیراً ما قد طرأ على طبیعة الاستیعاب الجمالی فی الإبداع والتلقی؛ أو أن الشعر الحدیث ذو بنیة جمالیة مغایرة ومختلفة عن الشعر العربی القدیم. ولكن ماهی طبیعة هذا الذوق الجدید أو التغیر أو البنیة، فإن هذا مایسكت عنه النقد المعاصر مكتفیاً بالإشارة أو التقریر. وكأن الأمر بدهی لاخلاف حوله، أو كأنه لایستأهل المعالجة النقدیة. ولاشك فی أن مایقرره هذا النقد صحیح فی جوهره. غیر أن هذا الصحیح یحتاج إلى تسویغ علمی ومعالجة نقدیة تبیّن طبیعته وانعكاساته، كما تبین مستویاته التعبیریة.

إن الفن بوصفه "أعلى أشكال تملك الواقع بحسب مقاییس الجمال"(1)، إنما هو نتاج الوعی الجمالی، فی نمط من أنماطه التاریخیة. ولهذا فإنه یكثف التجربة الاجتماعیة تكثیفاً فنیاً راقیاً، من منظور ذاتی تخیلی تقویمی. مما یعنی أن إحالة الفن على الواقع لایمكن أن تكون إحالة مباشرة، مثلما أنه لایمكن ربطه بما هو فردی صرف. ولعلّه من المفید أن نستأنس بما یؤكده غولدمان، فی هذا المجال، وذلك بمقولته بصدور الفن عن بنىً ذهنیة ماوراء فردیة تنتمی إلى مجموعة خاصة، وهی تتشكل، على نحو دائم، وتنحلّ فی مجموعات اجتماعیة حین تعدّل صورتها عن العالم كإستجابة لتغّیُّر الواقع أمامها. وتبقى هذه الصور الذهنیة معروفة على نحو ردیء، ونصف مدركة فی شعور الممثلین الاجتماعیین؛ غیر أن الكتاب العظام هم القادرون على بلورة تلك الصور فی شكل واضح متماسك(2)

إن الوعی الجمالی الحداثی هو أحد تلك الصور الذهنیة التی راحت تتشكل فی المجتمع العربی المعاصر، بفعل المستجدات المتعدّدة والمختلفة التی بدأت بالبروز، منذ أوائل القرن العشرین. ومن هنا، فإن تبیان هذا الوعی هو فی أساسه تبیان للخلفیة الناظمة للحداثة الأدبیة العربیة عامة، والشعریة منها خاصة.

ونرى أن التصنیف المدرسی لهذه الظاهرة الفنیة أو تلك ینبغی أن ینطلق أولاً من تحدید طبیعة الوعی الذی یقف خلفها. أما أن ننطلق، فی التصنیف، من المستویات الفنیة وحسب، فإن فی ذلك قصوراً عن استیعاب الظاهرة نقدیاً.

ولاشك فی أنه لایجوز الفصل بین الوعی الجمالی والمستویات الفنیة. ولكن فی المقابل. فإن كثیراً من تلك المستویات یمكن أن یكون عاماً وشائعاً بین مختلف الحركات الشعریة أو المدارس الفنیة، فی مرحلة تاریخیة معینة. غیر أن هذا لایعنی عدم أهمیة تلك المستویات فی التصنیف. إذ إن الوعی الجمالی لایمكن استقراؤه من دونها، فهی الحامل المادی له أو هی شكله المشخّص مادیاً، ولاسیما حین تكون تعبیراً مباشراً عنه، كما حصل مع الحداثة الشعریة العربیة. فما هی طبیعة الوعی الجمالی الحداثی. وماعلاقته بتلك المستویات، وبماذا یتمیز من نظیره الكلاسیكی؟.

یمكن تعریف الوعی الجمالی عامة بأنه الوعی الذی یتناول الظواهر والأشیاء، من خلال سماتها الحسیة وأثرها فی الطبیعة النفسیة والروحیة للمتلقی، منطلقاً من المقاییس الجمالیة AESTHETIC STANDARDS التی تشكل مضمونه القیمی. ویتلاءم الوعی الجمالی طرداً مع تلك المقاییس، بحیث إن أی تغیر یطرأ على واحد منهما، یطرأ على الآخر بالضرورة. غیر أن تغیر الوعی یكمن فی آلیته الذهنیة ـ الإنفعالیة، على حین أن تغیر المقاییس یكمن فی المثل العلیا الناظمة لها، فلیس ثمة وعی جمالی دون مقاییس، ولیس ثمة مقاییس من دون مثل علیا. وتدخل هذه الأقانیم، بشكل یصعب فیه التمییز بینها. إلا أنه یمكن القول إن الوعی هو الآلیة الذهنیة ـ الانفعالیة المنتجة للظاهرة، والمقاییس هی الناظمة لها، أما المُثُل فهی المعیار الأعلى الذی تسعى الظاهرة إلى تشخیصه وتمثیله بوساطة تلك المقاییس.

وعلى الرغم من أن الوعی الجمالی أكثر ثباتاً، على الصعید التاریخی، من أشكال الوعی الأخرى، إلا أن هذا لایؤدی إلى القول بثباته المطلق. فبما أنه نتاج اجتماعی تاریخی، فإن قابلیته للتغیر والتبدل أمر لاشك فیه. وتبدو هذه القابلیة أكثر وضوحاً فی المراحل الاجتماعیة التی تتسم بنهوض ـ أو نكوص ـ ثقافی قیمی شامل. وبما أن الفن أعلى أشكال تملّك الواقع بحسب مقاییس الجمال، فإنه المؤشر الأكثر مصداقیة فی الدلالة على ذلك التبدل أو التغیر فی الوعی الجمالی، إذ إن مایصیب هذا ینعكس فی ذاك بالضرورة. ولعلنا لانجانب الصواب إذا ماذهبنا إلى أن التغیر الجزئی الذی أصاب الشعر العربی ، فی العصر العباسی وفی الأندلس یتلاءم والتغیر الجزئی الذی أصاب الوعی الجمالی العربی فی الفترتین العباسیة والأندلسیة ، كما أن التغیر الكلی الذی جاءت به الحداثة الشعریة العربیة یتلاءم والتغیر الكلی الذی أصاب الوعی الجمالی المعاصر. هذا الوعی الذی ظهرت ملامحه الأولى، على استحیاء، فی أوائل القرن العشرین، مع الرومانتیكیة العربیة، ولاأدلّ على هذا من اتساع رقعة الفنون الأدبیة خاصة. حیث لم یعد الشعر هو الإبداع الأدبی الأوحد أو الأكثر أهمیة. بل أصبح أحد فنون الأدب إلى جانب المسرحیة والروایة والقصة القصیرة. ولاشك فی أن دخول هذه الفنون إلى الأدب العربی یعنی، فیما یعنیه، اتساع الحاجات الجمالیة العربیة وتنوعها من جهة، واختلاف الوعی الجمالی من جهة أخرى. وغنیٌّ عن التوكید أن المثاقفة ACCULTURATION مع الغرب الأوربی كان لها دور فاعل فی ذلك، غیر أنها لم تكن، بحال من الأحوال، هی الأساس فیه. إذ إن الخارج لایمكنه أن یؤثر تأثیراً فاعلاً فی الداخل، إلا بحسب الضرورات والحاجات الداخلیة.

لقد جاءت الحداثة الشعریة العربیة تلبیة لحاجة جمالیة ناشئة، فی المجتمع العربی المعاصر، وتعبیراً عن وعی جمالی راح یتبلور عبر نصف قرن تقریباً. وإذا كان هذا الوعی قد ارتبط تاریخیاً بظهور قوى اجتماعیة معینة كالطبقة الوسطى، والفئة المثقفة منها خاصة، فلایؤدی ذلك إلى أن هذا الوعی خاص بتلك الطبقة، أو یمكن أن یزول بزوال صدارتها الاجتماعیة، أو أن یكون انعكاساً REFLECTION عن طبیعتها الطبقیة وأطروحاتها الأیدولوجیة.

یتمیز الوعی الجمالی، فی الحداثة الشعریة العربیة، من الوعی الكلاسیكی العربی بعدة سمات تجعله وعیاً جدیداً بكل ماتعنیه الكلمة، كما تجعل نتاجه الشعری مختلفاً عن الشعر العربی الكلاسیكی والتقلیدی المعاصر. وفیمایلی نتحدث عنها، وعن تجلیاتها فنیاً، وعما یقابلها فی الوعی الجمالی الكلاسیكی.

1ـ التجادلیة:

لعل التجادلیة(*) تكون هی السمة الجوهریة من بین سمات الوعی الجمالی الحداثی، فهی السمة الأكثر تبدیاً، فی الشعر فنیاً وجمالیاً. فلایكاد مستوى من مستویات النص الشعری الحداثی یخلو منها، أو من بعض آثارها. سواء أكان ذلك على صعید البنیة الفنیة العامة أم على صعید البنیة الإیقاعیة أم التصویریة أم على صعید القیم الجمالیة المطروحة.

وكما هو معلوم ، فإن هذه السمة تحیل على فهم العالم والوجود الإنسانی من منظور التناقض وتبادل التأثیر فیما بین الظواهر والأشیاء والعناصر والجوانب ...إلخ. فلیس ثمة شیء یمكن أن یوجد أو یستمر أو یموت، بمعزل عن عناصر المحیط الذی هو فیه، أو بمعزل عن محیطه عامة. وهو ماینفی إمكانیة استقلال الظواهر والأشیاء.... بعضها عن بعضها الآخر، ویؤكد وجودها القائم على التناقض والصراع وتبادل التأثیر. وبما أن الأمر كذلك، فلیس هنالك ماهو ناجز بشكل نهائی. إذ إن التطور والتبدل والتغیر من الصفات الملازمة لكل ماهو موجود. ولهذا لم یعد النظر إلى الأشیاء یتمُّ من خلال الثبات أو الاستقلال أو الكمال. إن كل شیء ینبغی أن یؤخذ فی تجادله مع الأشیاء الأخرى، من دون أن یعنی ذلك إغفال التمیز الذاتی الخاص به.

تلك هی الخلفیة الفلسفیة للوعی الجمالی الحداثی. حیث راح هذا الوعی یتسم بآلیة ذهنیة تجادلیة، ترى العالم فی وحدته القائمة على التناقض والصراع لاعلى التكامل والتناظرSYMMETRY كما هی الحال فی الوعی الجمالی الكلاسیكی العربی الذی تشكّل التكاملیة المیتافیزیقیة سمته الجوهریة. وعلى الرغم من أن المجال لایسمح بالحدیث عن هذا الوعی، إلا أنه تمكن الإشارة إلى أن مفهوم الكمال مفهوم جوهری فی الفكر العربی ـ الإسلامی، سواء أكان ذلك على صعید الوجود أم المعرفة أم القیم عامة، والجمالیة منها خاصة(3). وبحسب ذلك، فإن لكل موجود كماله اللائق به. وهو كامل لما فیه من عناصر الكمال التی وهبتها إیاه المشیئة الإلهیة. أی أن هذه العناصر لاتتأتى له ذاتیاً أو من المحیط الذی هو فیه. بل تحصل له بحسب ماهو مقرر إلهیاً. وبهذا فإن العالم الذی هو كامل بالضرورة، ینطوی على موجودات كاملة ذاتیاً ومتكاملة فیمابینها، ولاشك فی أن هذا لایلغی تبادل التأثیر. بل یلغی التناقض الذی هو جوهر التطور بحسب الفهم التجادلی.

فأساس الاختلاف، إذاً، بین الوعی الحداثی والكلاسیكی، على المستوى الفلسفی الجمالی، یكمن فی أن الأول یعی العالم فی تناقضه وتجادله، على حین أن الثانی یعیه فی تكامله وتناظره ، وهو ماأدى إلى اختلافات عدیدة بینهما. ولكن قبل المضیّ بذكر هذه الاختلافات، لابدّ من القول إن الوعی الجمالی عامة لیس وعیاً فلسفیاً نظریاً للعالم أو الوجود. إنه قد یتقاطع أو یتداخل مع هذه النظرة الفلسفیة أو تلك، من دون أن یتطابق وإیاها كلیاً. إذ لو حدث ذلك لانتفى كونه وعیاً جمالیاً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، قد تختلف النظرة الفلسفیة اختلافاً شدیداً، من غیر أن یقود ذلك إلى اختلاف فی الوعی الجمالی. ولعل أكبر شاهد على ذلك، هو استمرار الوعی الجمالی الجاهلی حتى بدایات العصر العباسی الذی أضاف بعض التغییرات الجزئیة إلیه. ومن جهة ثالثة، إن تبنی هذا الوعی الجمالی أو ذاك لایعنی بالضرورة تبنیاً لمجمل الخلفیة الفلسفیة التی یستند إلیها. فقد یكون الشاعر حداثیاً من دون أن ینتمی فكریاً إلى الفلسفة الجدلیة بقوانینها المختلفة، والأمثلة على ذلك كثیرة جداً. كما یمكن أن ینتمی الشاعر إلى تلك الفلسفة، غیر أن وعیه الجمالی وعی كلاسیكی صرف. والحق أن هذه من المسائل المعقدّة التی تحتاج من الباحثین دراسة علمیة متأنیة.

لقد أدى ذلك الاختلاف إلى افتراق الوعی الحداثی عن الكلاسیكی، على صعید النظرة إلى الجمال. فبینما كان الوعی الكلاسیكی یمیل إلى تعریف الجمال بأنه الكمال الموصوف بالاعتدال(4)، فإن الوعی الحداثی یرى أن الجمال هو التمیز القائم على الحریة والحیویة. أی أن هذا الوعی یشترط للجمال ثلاثة عناصر، وهی التمیّز والحریة والحیویة.

فما یوحی بالعادیة، أو یندرج تحت الشیوع والعمومیة، أو لایلفت الانتباه بما فیه من صفات التمیّز ، یصعب أن یكون جمیلاً، غیر أن التمیّز وحده لایكفی للجمال. إذ لابدّ من أن یكون مبنیاً على الحریة والحیویة. أما الأولى فتنفی أن یوجد الجمال فیما هو مستلب أو مقید أو منصاع لنظام یفرض علیه مالیس من خصائصه أو طبیعته. وأما الحیویة فتنفی أن یوجد الجمال فی الثبات أو السكون STATIC أو مایوحی بهما كالجمود والركود والانحطاط والتقهقر .... إلخ. وبهذا فإن العادی أو المقید أو الساكن لایمكنه أن یتصف بالجمال، بحسب الوعی الحداثی. حیث إنه یفتقر إلى أحد عناصر الجمال التی هی عناصر متجادلة ومتكاملة فیما بینها.

فالجمیل، فی الوعی الحداثی، إذاً، هو المتمیّز الحر والحیوی فی آن معاً. ومن ذلك فإن اللذة الجمالیة الناجمة منه لیست لذة الإحساس بالكمال والاعتدال، كما فی الوعی الكلاسیكی العربی، بل هی لذة الاحساس بالانطلاق، وكأن الجمیل یدهشنا بالآفاق التی یفتحها أمامنا، ویحیلنا على وجودنا الذی ینبغی أن لایكون معاداً ومكروراً أو محدّداً بأطر ثابتة مطلقة تحدّ من الحریة والحیویة فینا. ومن هنا كانت الرغبة فی تجدید الشعر شاملة تقریباً. إذ إن التجدید یعنی التعبیر عن تلك النظرة الجدیدة إلى الجمال، والمختلفة عن النظرة العربیة الكلاسیكیة إلیه. وبذلك نفهم قول أدونیس:

البدعةَ، البدعةَ! المحدثَ، المحدثَ!

نبطل سنة قدیمة

نردّ للإنسان اسمه(5)

إن البدعة أو التحدیث لیس اعتباطاً أو مجرد رغبة فی مجاوزة الوعی السائد. بل هو فی الأساس إبطال لما یحدّ من طاقات الإنسان، ویجعله غریباً عن طبیعته أو مستلباً من أعراف وقوانین أصبحت ، مع الزمن، قیداً له.

إن هذه النظرة إلى الجمال هی نظرة عامة مشتركة بین شعراء الحداثة العربیة كافة، فعلى الرغم من أن هذه الحداثة لیست تیاراً شعریاً واحداً(6). إلا أنها تنطلق فی تقویم الجمال من نظرة مشتركة. ولایتباین الأمر إلا على صعید الحوامل الجمالیة. كأن یمیل هذا التیار إلى اعتبار التمیز والحریة والحیویة من صفات القوى الاجتماعیة التقدمیة ومثلها الأعلى البطل الثوری خاصة؛ ویمیل ذاك التیار إلى اعتبار هذه العناصر خاصة بالفئة اللیبرالیة المثقفة ومثلها الأعلى البطل الفادی. وذلك على المستوى الاجتماعی ـ الجمالی. أما ما سوى ذلك، فلیس ثمة من تباین یكاد یذكر جمالیاً. وغنی عن البیان أن التباین فی النظر إلى الحوامل ینهض من التباین فی الموقع الأیدیولوجی لهذا أو ذاك من التیارات والشعراء. وهو، فی نهایة المطاف، تباین أیدیولوجی لا جمالی، ولا أدل على ذلك من الاشتراك فی السمات الفنیة العامة التی تنظم النص الشعری الحداثی.

لقد أشرنا سابقاً إلى أن الملامح الأولى لهذا الوعی قد ظهرت مع الرومانتیكیة العربیة، ونودُّ أن نشیر، فی هذا المجال، إلى أن تعریف الجمال بأنه التمیز القائم على الحریة والحیویة، یدین بالكثیر منه لتلك الرومانتیكیة التی ذهبت إلى أن الحریة والفردیة شرطا الجمال اللذان یعنیان التمیز. وهو ماسعى إلیه الشعر الرومانتیكی العربی، ونظّر له كلٌّ من العقاد والمازنی(7)، ولكن إذا كان هذا الشعر قد خطا بعض الخطوات، فی طریق التجدید، تعبیراً عن نظرته الجدیدة إلى الجمال، فإن النقلة النوعیة قد تمت مع شعر الحداثة الذی خرج تاریخیاً وجمالیاً، من معطف الرومانتیكیة ولقد انعكس ذلك كله فی السمات الفنیة العامة لهذا الشعر، ونتوضّح أثر ذلك فی كل من الشكل الإیقاعی والبنیة الصوریة.

آـ الشكل الإیقاعی(*)

 

إن تجدید الشكل الإیقاعی للقصیدة العربیة هو التجدید الأكثر سطوعاً، فی شعر الحداثة، فی بدایاته الأولى، ولعله یكون أكثر المستویات استئثاراً للحوار والنقاش والجدل بین المؤیدین والمعارضین، فی خمسینیات هذا القرن. حتى بدا، أحیاناً، وكأنه التجدید الأوحد الذی جاءت به الحداثة ویمكن تسویغ ذلك الجدل بأن شعر الحداثة، بشكله الإیقاعی المختلف، قد تجاوز المستوى الأكثر سطوعاً، فی القصیدة العربیة، وفی وحدة البیت الشعری القائم على شطرین متعادلین موسیقیاً. ولایمكن فهم التجدید الإیقاعی، بمعزل عن الوعی الحداثی ومفهومه عن الجمال . إذ إن اعتبار الحریة شرطاً من شروط الجمال قد دفع إلى اعتبار الشكل الإیقاعی الكلاسیكی شكلاً عاجزاً عن استیعاب الانفعال الشعری فی انطلاقته وحیویته، شكلاً لایتلاءم والحریة التعبیریة من جهة، ولایتلاءم من جهة أخرى، والنظرة الجمالیة الجدیدة، وهو مااقتضى إیجاد شكل إیقاعی یحقق ماقد عجز عنه ذلك الشكل. فكان أن ظهر الشكل الإیقاعی المفتوح غیر المحكوم بضوابط نمطیة ناجزة سلفاً، والمرتبط بطبیعة الانفعال الشعری. بحیث أصبح هذا الشكل هو المعادل الإیقاعی للتجربة الشعریة الخاصة بهذا النص أو ذاك. وقد یكون من المستحیل أن نجد نصیّن متطابقین بالشكل الإیقاعی، فی شعر الحداثة. وما ذلك إلا للاستحالة فی أن نجد تجربتین متطابقتین تماماً، حتى لدى الشاعر الواحد.

إن انتفاء النمطیة الناجزة عن الشكل الإیقاعی الحداثی لایتجاوب أیضاً والحیویة التی هی أحد شروط الجمال. إذ إن هذا الشكل هو التمثیل الحسی لحركة التجربة الشعریة، فی صعودها وهبوطها وتأرجحها، وفی كثافتها واستطالاتها، وفی تسارعها أیضاً. وهو مایفسّر التدفق الإیقاعی أحیاناً حتى نهایة المقطع، أو نهایة النص الشعری بكامله؛ ومایفسر أیضاً الوقفات الإیقاعیة المتكررة أحیاناً، بشكل متوالٍ؛ كما یفسر إلغاء القافیة أو تنویعها أو تغییر مواقعها من النص، بحیث لم تعد تأتی بالضرورة فی نهایة الأشطر الشعریة. أی لم تعد القافیة تعنی الوقف الإیقاعی بالضرورة، على النحو الذی كانت علیه فی الشعر العربی الكلاسیكی.

إن كل ذلك جعل من الشكل الإیقاعی الحداثی مفتوحاً على احتملات لاتكاد تحصى من الاختلافات الإیقاعیة بین النصوص الشعریة. وذلك على الرغم من أن التفعیلة بقیت هی الوحدة الصوتیة ـ النغمیة، فی تیار التفعیلة من شعر الحداثة. ولابأس من الإشارة، فی هذا المجال، إلى أن الحدیث عن إیقاع سمعی محدّد فی قصیدة النثر، ومایزال رجماً بالغیب. وإن یكن ثمة محاولات مخلصة لتسویغه، من خلال النظام النبری، لامن خلال النظام الكمی(8). وعلى أیة حال، فإن الحداثة فی طرحها شكلاً إیقاعیاً مفتوحاً، قد فتحت الباب واسعاً أمام الاختلافات الإیقاعیة النصیّة، بشكل لم یعد فیه بالإمكان الكلام على نمط أو اثنین أو غیر ذلك، للشكل الإیقاعی الحداثی. ولنطرح أمثلة على هذا، من بعض النصوص المبنیة على تفعیلة (متفاعلن)، كما تتوضح تلك الاختلافات، وذلك على الرغم من أن الأمر أصبح شائعاً ومعروفاً:

یقول مصطفى خضر، بتدفق إیقاعی یصل إلى سبع عشرة تفعیلة:

لمن التماثیلُ المهشّمةُ؟

الوجوهُ تهبُّ، یطمسها الغبارُ،

تذوب أقنعةٌ وأهدابٌ من الحجرِ،

النهارُ یزفُّ مزهواً حشودَ الملح،

والملأُ المقدّسُ یعلن النسیانَ مملكةً:

رؤوسٌ من حجر(9)


فصورة محمود درویش تصدر عن تحول الموت إلى حیاة، من خلال الصراع الممیت بین الخیول والعصافیر؛ وصورة خلیل حاوی تصدر عن تحول الفرد المعذب من المناوأة إلى الانسحاق؛ وصورة السیاب تصدر عن تحول إمكانیة الحیاة إلى موت وتلاش، من خلال عربدة الریاح حول الغیمة؛ وصورة سعدی یوسف تصدر عن وعی التحول الخفی فی الواقع من السكون إلى الحركة.... إن هذه الصور مجرد أمثلة عفویة على صدور الصورة الحداثیة عن وعی التحول فی الواقع والعالم. أما الصور التی تعلن هذا التحول صراحة، فلاتكاد تحصى، نذكر واحدة منها، فی هذا المجال، یقول محمد عمران:

أمشی على غضب الهواء/ أنا النذیر،

یكون زلزال، فتنهدم الجهات،

وتسقط الأنقاض فی قاعی، ویختلط الركامْ

جثث/ وینعجن القتیل بقاتلیه،

وتدخل الحربُ السلامْ

تتداخل الأضداد ـ

تلبس خوذةٌ كوفیةً

جَمَلٌ ثیابَ محاربٍ

ملكٌ فدائیاً.

فدائیٌّ عمامةْ

وتكون عاصفةٌ، فیلتفُّ الظلام على الظلام

وتكون فاتحةُ القیامهْ(30)

وهكذا نلحظ أن الصورة الحداثیة قد جاءت تعبیراً عن وعیها الجمالی فی سمته التجادلیة. سواء أكان ذلك فی العلاقة بین العناصر، أم الجمع بینها من مجالات متناقضة أو متباعدة، أم كان فی التداخل بین الفكر والمجاز، أم كان فی خلفیتها التعبیریة التی تتصف بالتحول، أم كان فی الوظیفة الجمالیة المعرفیة المزدوجة لها.

إن كل ذلك قد جعل من هذه الصورة مختلفة اختلافاً جذریاً عن مثیلتها فی الشعر العربی الكلاسیكی والتقلیدی المعاصر. ولكی یتوضح هذا الاختلاف، نشیر إشارة سریعة إلى أن الصورة الكلاسیكیة تقوم على المقاربة والمناسبة بین العناصر والأشیاء المكونة لها؛ وتقوم أیضاً على الثنائیة البلاغیة التی تحتفظ باستقلالیة عنصری الصورة، فلایتداخلان إلا ماندر؛ وتقوم من جهة ثالثة على توضیح المعنى أو شرحه أو زخرفته وتزیینه. مما یعنی استقلال الصورة عن الفكرة. فكثیراً مایشتمل البیت الشعری الكلاسیكی على التناظر بین الفكرة والصورة. وذلك من مثل الأبیات المشهورة التالیة، لكلِّ من امرىء القیس والخنساء والمتنبی، على التوالی:

مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معاً

 

كجلمود صخر حطّه السیل من علِ

* *

وإن صخراً لتأتمّ الهداة به

 

كنه علم فی رأسه نار

* *

ماكلّ مایتمنى المرء یدركه

 

تجری الریاح بما لا تشتهی السفن

* *

حیث یشتمل الشطر الأول على الفكرة، ویشتمل الشطر الثانی على الصورة، مع الإشارة إلى أن هذا التناظر لیس قانوناً ینظم الصور الكلاسیكیة كافة، فی البیت الشعری الواحد. بل إنه ینظم علاقة الصورة بالفكرة فی ذلك الشعر عامة. وعلى أیة حال فإن الأمر قد أصبح معروفاً وشائعاً، بما یكفینا مؤونة الإفاضة فیه. ولكن مانریده فی هذا المجال هو أن التناظر الذی نلمسه بین عنصری الصورة الكلاسیكیة، أو بین الفكرة والمجاز فیها، یتلاءم تماماً ووعیها الجمالی الذی یرى العالم من خلال التكامل والتناظر، كما أسلفنا غیر مرة.


 

الهوامش:

1ـ المرعی، د. فؤاد: الجمال والجلال، دار طلاس، دمشق، ط 1، 1991، ص:89.

2- SELDEN RAMAN , AREADERS GUIDE TO CONTEMPORARY LITERAY THEORY, LONDON: 1988. P. 38.

3ـ راجع: كلیب، د. سعد الدین: مفهوم الكمال فی الفكر العربی الإسلامی. مجلة "المعرفة" السوریة. العدد: 371، دمشق، 1994، ص:10.

4ـ هذه إحدى النتائج التی توصلنا إلیها، فی كتابنا المخطوط : البنیة الجمالیة فی الفكر العربی الإسلامی. فصل: القیم الجمالیة، فقرة: الجمال.

5ـ أدونیس: الآثار الكاملة: م:2 دار العودة، ط2،1971، ص:174.

6ـ راجع : شكری، د. غالی: شعرنا الحدیث إلى أین؟. دار الآفاق الجدیدة، بیروت، ط2، 1978, ص: 23 ـ 30.

7ـ راجع: إبراهیم، د.زكریا: الفنان والإنسان، مكتبة غریب، القاهرة، د/تا، ص: 152ـ 156.

8ـ راجع: المعداوی، أحمد: البنیة الإیقاعیة الجدیدة للشعر العربی. مجلة "الوحدة" العدد: 82/83. الرباط، 1991، حیث یعرض الدارس لتلك المحاولات مبیناً مافیها من قصور أو مغالطة.

9ـ خضر، مصطفى: المرثیة الدائمة. وزارة الثقافة، دمشق،1984،ص :21

10ـ شمس الدین، محمد علی: لاتنم هذه اللیلة. مجلة الكرمل، العدد: 6، نیقوسیا، قبرص، 1982،ص: 167.

11ـ الحیدری، بلند: دیوانه، دار العودة، بیروت، ط2، 1980، ص: 265.

12ـ المعداوی: المرجع السابق، ص:72.

13ـ ابن خلكان: وفیات الأعیان. جـ: 2. د/تا، ص: 98. فی ترجمة مظفر بن إبراهیم العیلانی.

14ـ المعداوی: المرجع السابق، ص:72.

15ـ الجاحظ: البیان والتبیین، جـ:1.تح: عبد السلام هارون: لجنة التألیف والترجمة والنشر،القاهرة، 1948، ص: 288ـ289

16ـ المعداوی: المرجع السابق، ص: 70 ـ 71.

17ـ فاخوری: محمود: موسیقا الشعر العربی. منشورات جامعة حلب، 1978، ص:46.

18ـ راجع : الیافی، د. نعیم: تطور الصورة الفنیة فی الشعر العربی الحدیث، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1983، ص: 364ـ 365.

19ـ الیافی، د. نعیم: الصورة فی القصیدة العربیة المعاصرة، مجلة "الموقف الأدبی" العدد:255/256، دمشق، 1992، ص: 30.

20ـ درویش: محمود: دیوانه، م:2، دار العودة، بیروت،ط3، 1980، ص:487.

21ـ حجازی، أحمد عبد المعطی: كائنات مملكة اللیل، دار الآداب، بیروت،ط: 1، 1978، ص: 52.

22ـ حاوی، خلیل: دیوانه، دار العودة، بیروت، ط:2، ص:45.

23 - ADRONO , THEODOR ; AESTHETIC THEORY. LONDON ; 1985. P. 248

24ـ الیافی: الصورة فی القصیدة العربیة المعاصرة، ص: 26.

25ـ بیلنسكی، ف. غ: نصوص مختارة، تر: یوسف حلاق، وزارة الثقافة، دمشق، 1980، ص:83.

26ـ السیاب، بدر شاكر : دیوانه، م:، دار العودة، بیروت 1971، ص: 274.

27ـ الماغوط، محمد: الآثار الكاملة. دار العودة ، بیروت،ط:2،1982،ص: 45.

28ـ یوسف: سعدی: الأعمال الشعریة 1952 ـ 1977. دار الفارابی، بیروت، 1979. ص:121

29ـ راجع: الیافی : الصورة فی القصیدة العربیة المعاصرة، ص: 23ـ 24.

30ـ عمران، محمد: اسم الماء والهواء، وزارة الثقافة، دمشق، 1986، ص: 18ـ 19.

31ـ إسماعیل،د. عز الدین: الشعر العربی المعاصر، دا ر العودة ، بیروت، ط:3، 1981، ص:248.

32ـ نفسه، ص:276ـ 277.

33ـ حجازی: المصدر السابق، ص:47ـ 48.

34ـ یوسف، المصدر السابق، ص: 144ـ 146.

35ـ نفسه، ص:145

36ـ إسماعیل: المرجع السابق، ص:268.

37ـ هیغل: المدخل إلى علم الجمال، تر: جورج طرابیشی، دار الطلیعة، بیروت، ط:2 ، 1980، ص:27.

38ـ راجع فی ذلك : لانغیوم، روبرت: شعر التجربةـ المونولوج الدرامی فی التراث الأدبی المعاصر. تر: علی كنعان وعبد الكریم ناصیف. وزارة الثقافة، دمشق، 1983، ص: 43ـ88

39ـ راجع قصبجی، د. عصام: نظریة المحاكاة فی النقد العربی القدیم، دار القلم العربی، حلب، ط1، 1980، ص: 102.

40ـ راجع: الآمدی: الموازنة، تح: محمد محی الدین عبد الحمید، المكتبة العلمیة، بیروت.د/تا، ص: 123ـ 226 (فصل: أخطاء أبی تمام فی اللفظ والمعنى).

41ـ عبد الصبور، صلاح: شجر اللیل، دار العودة، بیروت، ط2 1977، ص: 13ـ 14.

42ـ درویش، محمود: حصار لمدائح البحر، دار العودة، بیروت، ط2، 1985، ص: 89.

43ـ البرغوثی، مرید: رنة الإبرة، مجلة الكرمل،العدد: 35، نیقوسیا، قبرص، 1991، ص:142.

44ـ شكری: المرجع السابق، ص: 12.

45ـ راجع: الیافی، د. نعیم: الشعر العربی الحدیث، وزارة الثقافة، دمشق، 1981، ص: 155ـ 156.

46ـ راجع: إسماعیل: المرجع السابق، ص: 187ـ 194.

47ـ رمانی، إبراهیم : النص الغائب فی الشعر العربی الحدیث، مجلة "الوحدة" العدد: 49، الرباط، 1988، ص: 53.

48ـ نفسه، ص: 60.

49ـ أدونیس: المصدر السابق، ص: 177.

50ـ خضور، فایز: دیوانه، م: 1. دار الأدهم، د/تا، ص: 150.

* - لقد فضّلنا استخدام مفردة التجادل على الجدل DIALECTIC. وهما بمعنى واحد اصطلاحیاً. إلا أن مفردة التجادل تنطوی لغویاً على مانقصده هنا. وهو معنى المشاركة، وتبادل التأثیر، والتداخل. وذلك لوزنها الصرفی "التفاعل" الذی یحیل على ذلك.

* ـ لن نتحدث فی هذه الفقرة، إلا عن الإیقاع الناجم من الوزن، وذلك لإمكانیة الكلام علیه بعامة. أما تلك الإیقاعات الناجمة من التناغم اللغوی والصوری والانفعالی، فهی إیقاعات نصیة حصراً، ولایمكن التعمیم فیها.

*- قد یقال، هنا، إن موضوعیة الشعر الغنائی العربی، ولاسیما الوصفی منه، أوضح من أن یشار إلیها. ولاشك فی أن هذا صحیح. غیر أن هذه الموضوعیة تتأتى عبر الذات الفردیة، ولاتتأتى بوصفها معادلاً موضوعیاً للموقف الذاتی.

*- سیأتی الحدیث موسّعاً عن هذا الأسلوب فی الفصل الرابع المعنون بـ"جمالیة النموذج الفنی فی شعر الحداثة".