شعر إرادة الحياة: أحمد عبدالمعطي حجازي إلى أبي القاسم الشابي
«إذا الشعب يوماً أراد الحياة»
فلابد أن يتحرر من خوفه
ويحمل فى كفه روحَهُ
ويسير بها مُوغِلاَ في الخَطَر
إلى أن يستجيبَ القَدَر!
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد من أن يقوم العبيد قيامَتَهم
يصبرون على عَضّةِ الجُوع
لكن على عَضّة القَيْد لا يصْبرون
يموتون في أوّل الليل
إن كان لابد من أن يموتوا
لأنهم سيقُومون في مطْلَع الفَجْر
كي يولَدُوا في غدٍ من جديد!
فَيَا أيها الميّتون انهَضُوا
أيّها الفقراء الأرقّاء قوموا قيامَتَكُمْ
أيّها الساكنون اللحود
فقد طالما انتظرتْكُم حَيَاةٌ مؤجّلة
وشُمُوسٌ بلا عدد لم تروها
ومرت عليكم عصورٌ، وأنتم رقود!
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستردّ مدينتَهُ
بعد أن أصبحت للمَمَاليك من شركس وتَتَر
لصوصٌ صيارفة ينصبُون موائدَهُم
في شوارعها، وحدائقها، ومساجدها، وكنائسها
يملكون السّمَاء وما خلفها، والهَواَءَ
ويحتكرون النهَر!
«إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القَدَرْ»
وها هو يومٌ يمر، وعام،
وجيلٌ، وجيل
ولم يستجبْ أحدٌ بعد للشعب
لم يتمَلْمَل حَجَر
ولم يأتنا عن غد نبأٌ أو دليل
وقد مر يومٌ، وعامٌ،
وجيلٌ، وجيل
وما أمطرتنا سماءٌ،
ولا فاضَ في مصر نيل!
«إذا الشعب يوماً أراد الحياة»
فلابد أن يسترد شجاعتَهُ
وينادي جماعتَهُ
ويسير بأمواجه العاتية
إلى الطاغية
يطالبه بالمقابل عن كل ما عرفته البلاد
من الجوع، والقهر في ظلّه، والهَوَان
أن يعيدَ الذي مات حياً،
ومن خافَ يشفيه من خوفٍه
ويعيد إليه الأمان
وما سفحته العيون من الدمع يجمعه دمعة دمعة،
ويرد الزمانَ إلى حيث كان!
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يتحرش بالموت
أن يُنزل الموتَ من عرشِهِ
حيث يلقاه في طُرقات المدينة وجهاً لوجهٍ
ينازله إنْ أرادَ النزال
فيغلبهُ
ويجادله إن دعا للجدال
فيُسقِط حجتَه
ويدغدغ لحْيَته، ويقصْقِص من ريشِه!
لا تخافوا من الموت،
فالموت ليس سوى أن تخافوا من الموت
يغلبكم واحداً واحدا
فإذا ما اجتمعتم عليه مضى خاسراً خامدا
يتخبّط في الطرقات،
ويهوي صريعاً على رفشه!
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يتعلّم كيف يغنى
وكيف يُغِذ خطاه إذا ما مَشَى
ويطول السّمَاء
وكيف يحبُّ الرجَالَ النساء
ولابد للشعب أن يزرَعَ القمح،
فالقمحُ في رَحِمِ الأرض بذرتنا
ودليلُ قرابَتِنا
وهو جسمٌ ورُوحٌ، وخُبْزٌ ومَاء
شرايين خضراء يمشي دمُ الأرض فيها
وتمشي دماءُ البَشَر
ولابد في الأرض من كَرْمة
نستظل بها في النهار
ونرضَعُ من ثَدَْْيها في المساء
ولابد للشعب أن ينتصر!