سألني الأستاذ الدكتور محمد خاقاني أستاذ الأدب العربي بجامعة أصفهان ، ورئيس جمعية لسان العرب الدولية : أريد أن أستفسر منكم في موضوع قراءة القرآن ، وهل يشترط فيه التلفظ بالشفتين ، أم لا ؟ أو بعبارة أخرى : إذا طالع المرء المصحف ، فنظر إلى آياته دون التلفظ ، هل يكون هذا العمل مصداقا لقراءة القرآن وتلاوته لغويا وشرعيا أم لا ؟ 

وبعد النظر في الموضوع وجوانبه المختلفة ، والرجوع إلى الميسور من المصادر والمعاجم والمراجع مما من الله علينا ، كتبت إليه ما يلي : هذا سؤال فاجأني ، وجعلني أشعر بالفخر والتكريم ، ولكن من ناحية أخرى وضعني تحت طائلة المسؤولية الكاملة والصعبة ، ولذا فإني أقدم رأيي بعد الرجوع إلى مجموعة من المعاجم والمصادر والتي اقتبسنا منها المعطيات التالية :

 1- في لسان العرب لابن منظور ( مادة ق ر أ ) : معنى القرآن هو معنى الجمع ، وسمي قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها ، وقوله تعالى : ( إن علينا جمعه وقرآنه ، فإذا قراناه فاتبع قرآنه ) 17 ، 18 – القيامة . والذي أفهمه مما سبق أن جبرائيل كان يقرأ سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله – بصوت حتى يسمعه ما يقرأ ، كما أن الآية التي سبقت تقول لمحمد : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) وتحريك اللسان لا يكون إلا بالصوت .

2- في لسان العرب وفي ذات المادة قرأ ( وفي الحديث أن الرب – عز وجل – يقرأك السلام ، يقال : أقرئ فلانا السلام ، واقرأ عليه السلام ، كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ، ويرده ، وإذا قرأ الرجل القرآن والحديث على الشيخ يقول أقرأني فلان ، أي حملني أن أقرأ عليه . وما سبق أيضا يشير ويشي بأن القراءة بصوت .

3- اقتباس أخير من لسان العرب : ( وقرأت القرآن لفظت به مجموعا ) واللفظ لا يكون إلا بصوت ، وبصوت مسموع ومسمع للآخرين .

4- وأستأنس بموضع آخر في القرآن الكريم : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ، وابتغ بين ذلك سبيلا ) 110- الإسراء ، في مكة كان سيد الخلق – صلى الله عليه وآله – يؤم المسلمين في الصلاة ، فإذا قرأ بصوت مرتفع سمع المشركون القرآن فسبوه وخاضوا فيه وفي محمد ، فإذا خفض صوته لم يسمع المسلمون القراءة ، فأنزل الله : ( ولا تجهر بصلاتك ) أي بالقراءة في صلاتك ( ولا تخافت بها ) أي بالقراءة ، ولكن يا محمد : ( و ابتغ بين ذلك سبيلا ) أي سبيلا وسطا ، لا إلى المخافتة – أي بصوت منخفض – ولا إلى الجهر ، أي بصوت مرتفع . الإمام الزمخشري في تفسيره زاد الأمر إيضاحا موضحا بقولته المهمة ( فإن الجهر والمخافتة يعتقبان على الصوت ) أي يختصان به ، ولكن الجهر للصوت إذا ارتفع ، والمخافتة أيضا للصوت ، ولكن إذا انخفض ، معنى هذا أن القراءة لا تكون إلا بصوت ، منخفض أو مرتفع .

5- وأخيرا فإن نظرة إلى الفعل ( قرأ ) في القرآن الكريم يفيد أن القراءة لا تكون إلا بصوت ، وهذه أمثلة : - - ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) 204 الأعراف ، والاستماع والإنصات لا يكونان إلا لقراءة بصوت . - ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس ، على مكث ) 106 الإسراء – والقراءة على الناس لا تكون إلا بصوت . - ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) 21 الحشر ، ولا يتصور أن ينزل القرآن بالنظر إلى الآيات وتحريك الشفاه ، فإن هذا لا يمكن أن يصل بالجبل إلى الخشوع والتصدع ، لا بد أن يكون هذا بصوت مقروء مسموع . وعليه فإنه بناء على ما سبق من معطيات أرى أن القراءة من الناحية اللغوية والشرعية لا تكون إلا بصوت وتلفظ ، سواء أكان الصوت خافتا أو جهرا ، أو ابتغينا بين هذا سبيلا . أما النظر إلى المصحف فقط مع تحريك الشفتين – دون تلفظ وصوت – فلا يعد قراءة - في رأيي -  وما إليه أطمئن وأركن ، وإن كنت أتصور أن مجرد النظر إلى المصحف وتحريك الشفتين له ثوابه عند رب كريم بيده خزائن السماوات والأرضين ، صاحب كن فيكون التي لا يشركه فيها أحد . بل إن مجرد النظر إلى المصحف عبادة ، ومرور العينين على الحروف والآيات أيضا عمل يرجى له الأجر من رب السماوات والأرضين ، لكن لا يرقى – في رأينا – إلى القراءة ، أي بالصوت خافتا أو جهرا  ، أو بين هذا وذاك .

والله على ما نقول شاهد وشهيد

الفقير إلى الله

أحمد مصطفى أبو الخير

جامعة دمياط 14/8/2012


http://www.allesan.org