الرمزية في الشعر العربي الحدیث
الرمز في اللغة : الإشارة والإیماء .
و في الاصطلاح الأدبي : "علامةٌ تُعتبر ممثِّلة لشيء آخر ودالَّة علیه، فتُمثِّله وتحلّ محلّه"، ویستعمله الأدیب خروجاً من المباشرة إلى
عوالم فنیة یوظف فیها حدثا تاریخیا أو أسطورة أو شخصیة تراثیة أو أی كائن من كائنات الوجود، لیحمل تجربته الشعوریة.
وهو یستلزم مستویین: مستوى الأشیاء الحسیَّة التی تؤخذ قالباً للرمز، ومستوى الحالات المعنویة المرموز إلیها.
وهو من الوسائل الفنیة المهمة فی الشعر، یعمد الشاعر فیه إلی الإیحاء والتلمیح بدلا من اللجوء إلی المباشرة والتصریح.
والرمز یمر بمرحلتین هی :
( مرحلة العطاء المباشر ) :و في الاصطلاح الأدبي : "علامةٌ تُعتبر ممثِّلة لشيء آخر ودالَّة علیه، فتُمثِّله وتحلّ محلّه"، ویستعمله الأدیب خروجاً من المباشرة إلى
عوالم فنیة یوظف فیها حدثا تاریخیا أو أسطورة أو شخصیة تراثیة أو أی كائن من كائنات الوجود، لیحمل تجربته الشعوریة.
وهو یستلزم مستویین: مستوى الأشیاء الحسیَّة التی تؤخذ قالباً للرمز، ومستوى الحالات المعنویة المرموز إلیها.
وهو من الوسائل الفنیة المهمة فی الشعر، یعمد الشاعر فیه إلی الإیحاء والتلمیح بدلا من اللجوء إلی المباشرة والتصریح.
والرمز یمر بمرحلتین هی :
وهی التی یقدمه الرمز باعتبار أن عناصره مستمدة فی الأصل من جزئیات الواقع، وأن ألفاظه وعلاقاته اللغویة ألفاظ وعلاقات ذات دلالة
سابقة وهذا ما أسماه بریمون بالمعنى المباشر،أو الجزء الكدر من القصیدة.
( ومرحلة تلقی الإیحاء الرمزی والاستسلام له ) :
وهو باعتبار أن الرمز لیس محاكاة للواقع الجامد، بل هو تحطیم لعلاقات الطبیعة ، ومن هنا كانت حركیة الرمز وحیویته وإیحاؤه.
ویُعد الرمز أسلوباً من أسالیب التصویر، أو وسیلة إیحائیة من وسائله، فكلاهما - الرمز والصورة- قائم على التشبیه، وعلاقتهما أقرب إلى
علاقة الجزء بالكل ، وهو تقنیة عالیة ، یرتفع بها شأن الصورة ، ولیست كل صورة رمزاً، لكن كل رمز هو بالضرورة صورة . ومثلما
تنقسم الصورة إلى صورة كلیة و جزئیة ، فالرمز كذلك ، منه رمز كلیّ ورمز جزئی ، وأشد التحامات الرمز بالصورة هو فی النوع (الكلی)
إذ غالباً الصورة الكلیة تستحیل رمزاً.
إن العوامل السیاسیة والاجتماعیة فی الوطن العربی ، وما ألحقته بالإنسانیة من أضرار فادحة ، مادیا ومعنویا ، جعلت الانسان العربی ،
والشاعر العربی خاصة ، إزاء مجموعة من التناقضات مما دفعه إﻠﻰ الخروج عن دائرة المألوف ، والتمرد علی قیم الثبات والجمود . فكانت
القصیدة الشعریة محطة أولی أمام الشاعر، ومیدان إبداعه.
فلجأ الشاعر العربی إلی استخدام الرمز وسیلة فنیة للتعبیر غیر المباشر عما یرید . وتقنع بشخصیة من شخصیات التاریخ فتشبث بها
وانطلق منها نحو ذاته ، معبرا بوساطة التقنع بها عن مكنونات نفسه ، مبیحا عن طریق التقنع بتلك الشخصیة عن أسراره إلی المتلقی .
والصور الرمزیة ذاتیة لا موضوعیة، كما یقول الدكتور محمد غنیمی هلال ، إذ أن الصور الرمزیة " تبدأ من الأشیاء المادیة، علی أن
یتجاوزها الشاعر لیعبر عن أثرها العمیق فی النفس فی البعید من المناطق اللاشعوریة ، وهی المناطق الغائمة الغائرة فی النفس ،
ولا ترقی اللغة إلی التعبیر عنها إلا عن طریق الإیحاء بالرمز المنوط بالحدس ."
تطور مفهوم الرمز :
تطور مفهوم الرمز فی الشعر الحدیث بفعل التأثیر الغربی ، فبعد أن كان الرمز لوناً من ألوان الكنایة ، نجد ( السیاب ) یعرف الرمز بأنه
طاقة إلهامیة تهبط على الشاعر عندما یفتقد الألفاظ ، وهذا التعریف یلتقی مع مفهوم ( یونج ) : الرمز وسیلة ما لا نستطیع التعبیر عنه
بغیره ، لأنه أفضل طریقة ممكنة للتعبیر عن شیء لا یوجد له معادل لفظی ، أما حقیقته فهو إشارة حسیة أو حادثة أو كلمة ما إلى شیء
عقلی أو باطنی یختاره الشاعر كی یؤثر فی نفس المتلقی .
مسوغات اللجوء إلى الرمز :
أقبل شعراء العصر الحدیث على الرمز إقبالاً واسعاً ، أما مسوغاتهم فی اللجوء إلیه فتعود إلى عدة أسباب منها :
- تلبیة الحس الحضاری وتقلید المبدعین الغربیین .
- تجنب الرتابة والرغبة فی التجدید ورفض التصریح .
- البعد عن التسطیح فی الفكرة وطلب التداعی الحر للمعانی .
- الخوف من السلطة والرغبة فی إثارة المتلقی .
- السعی لتكثیف الصورة بكلمات قلیلة .
أنواع الرموز ودلالتها :
الرمز الشخصی : وهو من ابتداع الشاعر، ویبقى فهم المتلقی له ظنیا.
الرمز السیاقی : و یفهم من السیاق
الرمز التقلیدی: وهو الرمز الأسطوری والدینی والتاریخی والشعبی.
خصائص الرمز فی الشعر المعاصر :
- اتخذ الشعر الحدیث رموزه من الأساطیر والمعطیات الدینیة ،والتراثیة الإسلامیة والمسیحیة والعبریة والإغریقیة، وقد جمع بعض الشعراء المسلمین بین كل هذه المعطیات .
- وظفت القصص الإسلامیة فی الشعر الكلاسیكی لمغزاها أو للاستعارة .
- وظّف الشعر الحر القصص الإسلامیة لاستدعاء الحدث وتولید الطاقة الإیحائیة .
- قد تمتزج الرموز الإسلامیة والمسیحیة.
القیمة الأدبیة للرمز المعاصر :
* المادة الأسطوریة جعلت الشعر أكثر عمقاً ، وأبرزت فیه تواصل الحضارات .
* فتح الرمز أمام الشاعر باب عالمیة الإبداع وأكسبه النظرة الموضوعیة .
* أكسب الأفكار موسیقى والصورة الشعریة دقة وحیویة .
العلاقة بین الأدب - الشعر- و التراث علاقة قدیمة ، لذلك كان التراث مصدرا مهما وثریا للعدید من الشعراء المبدعین ، الذین و جدوا
فیه منبعا للرؤیة الشعریة ، هذه الرؤیة هی وسیلتهم للتعبیر، تعكس فی جوهرها هموم الإنسان ، الواقع الذی یعیشه الماضی الذی
یسكن بداخله ، الحاضر بكل إخفاقاته و طموحاته ، و المستقبل الذی یحاول بناءه عن طریق الحلم – الشعر- لذلك كانت العودة إلى
التاریخ ، إلى أحداثه ، و شخصیاته فی كل أبعادها الدینیة و التاریخیة و الأسطوریة ... ثم كان استحضار هذه الرموز لیخلق لها المبدع
واقعا فی تجربته الشعریة المعاصرة . بمعنى أن محاولة استحضار هذه الرموز- الشخصیات خصوصا - لیس من منظور توثیقی –
تاریخی مباشر، لكن من زاویة ابداعیة و ذلك من خلال إحیاء هذه الشخصیة ضمن السیاق الشعری للقصیدة ، و إعطائها أبعادا متعددة
أی لا نوظف الرمز لخدمة القصیدة ، و إنما توظف القصیدة لخدمة الرمز ، من هذا المنطلق فإن توظیف هذه الرموز فی النص الشعری
العربی المعاصر لیس بالأمر السهل، إن ذلك یحتاج إلى قوة إبداعیة و فنیة ، حتى نستطیع أن ننقل هذه الشخصیات من طابعها التاریخی
الفردی إلى المستوى الإنسانی العام ، لذلك لم یكن توظیف الشعراء العرب لهذه الرموز موفقا دائما .
ونحن حین نستقرأ المتن الشعر العربی المعاصر ، نكتشف هذا الكم الهائل من الشخصیات التی تم توظیفها ، و هی شخصیات تنتمی إلى
ثقافات متعددة ، و مراحل تاریخیة مختلفة ، منها ما هو أسطوری ، و منها ما هو تاریخی أو دینی ، و منها ما هو معاصر ، لكن ما
یجمع بینها هو بعدها الإنسانی ، التضحیات التی قدمتها فی سبیل إسعاد البشریة ، بغض النظر عن حقیقة وجودها . و لعل من ابرز هذه
الرموز على سبیل المثال لا الحصر نذكر: امرؤ القیس الملك الضلیل ، المعری الشاعر الحبیس ، السند باد العاشق للسفر ، طارق بن
زیاد الفاتح ، صلاح الدین الأیوبی ... هذه نماذج من الشخصیات الرموز التی استلهمها الشعراء العرب المعاصرون للتعبیر عن
قضایاهم انطلاقا من رؤیة كونیة .
و لعل من أبرز هذه الرموز – السند باد - الذی استهوى العدید من الشعراء ، هذه الشخصیة التراثیة التی جابت الآفاق بحثا عن الثراء
و المغامرة ، ستأخذ عند الشاعر المعاصر أبعادا أخرى ، دلالات معاصرة . ولعل من أبرز هؤلاء : بدر شاكر السیاب العراقی خلیل
حاوی اللبنانی ، محمد الفایز الكویتی و محمد علی الرباوی المغربی ، و سنحاول أن نبرز كیف استلهم كل منهم شخصیة السندباد.
أما بدر شاكر السیاب ، فعلاقته بالسندباد تصل إلى حد الذوبان ، یصعب فیها الفصل بین الذاتین ، الحقیقیة و التراثیة . فإذا كان
السندباد دائم السفر تاركا زوجته ، لیعود بعد ذلك مهما طال السفر، محملا بالهدایا و المال ، فإن السیاب كان كثیر التنقل بین العواصم
بحثا وأملا فی الشفاء و العودة إلى جیكور حیث زوجته إقبال تنتظر. یقول فی قصیدته رحل النهار :
رحل النهار
ها انه انطفأت ذبالته على أفق توهج دون نار
و جلست تنتظرین عودة السندباد من السفار
هو لن یعود
فلترحلی، هو لن یعود
ذلك هو الإحساس عند السیاب ، فقدان الأمل فی العودة ، و رؤیته لسماء قریته من جدید هذه المأساة تتجسد فی هذا الصراع بین الأمل
والألم ، هذا الأمل الذی سیضیع عندما یموت الشاعر بعیدا و قد احتضنته إحدى مستشفیات الكویت .
أما الشاعر محمد الفایز الذی توفی سنة 1991 فی دیوانه « مذكرات بحار » فهو یمزج بین تجربته و تجربة وطنه الكویت فی
علاقتهما بالبحر و أهواله من خلال البحث عن المحار واللؤلؤ فی صراع مع البحر و الأسماك المفترسة ، فطقوس ألف لیلة و لیلة
وخصوصا رحلات السند باد حاضرة فی ذهن الشاعر، لكنه حضور فنی ، لیجعل أسفاره فی البحر صراعا مع الغزاة و مع الفقر ، أی
صراع مع الحیاة ، لكن ها الصراع مشبوب بالأمل المؤجل ، لیست له بدایة و لا نهایة ، أما الذات – الرمز- فینتهی بها المطاف ، بعد
حیاة طویلة مع الأمواج إلى السكون حین یهن العظم و یشتعل الرأس شیبا، وتكمن هذه المأساة عند الزوجة التی لازالت تحلم بالثراء .
یقول محمد الفایز :
و لسوف تغرقنی هدایاه الكثیرة
العطر و الأحجار و الماء المعطر والبخور
و لقاؤه لما یعود كأنه بدر البدور
و تظل تحلم والحیاة
حلم یجول بلا بدایة
و بلا نهایة …
هكذا یرسم الشاعر صورة مأساویة تقوم على الحلم و الأمل ، هو أمل بعید التحقق . بل یبدو مستحیلا . إنه صراع بین المعاناة و الحلم .
وتوظیف الرمز فی القصیدة الحدیثة سمة مشتركة بین غالبیة الشعراء على مستویات متفاوتة من حیث الرمز البسیط إلى الرمز العمیق
إلى الرمز الأعمق .. وهكذا ومع أن الرمز أو الترمیز فی الأدب بعامة سمة أسلوبیة واحد العناصر النص الأدبی الجوهریة منذ القدم إلا أننا
نراه قد تنوع وتعمق وسیطر على لغة القصیدة الحدیثة وتراكیبها وصورها وبنیاتها المختلفة, والرمز بشتى صوره المجازیة والبلاغیة
والإیحائیة تعمیق للمعنى الشعری, ومصدر للإدهاش والتأثیر وتجسید لجمالیات التشكیل الشعری, وإذا وظف الرمز بشكل جمالی منسجم, واتساق فكری دقیق مقنع, فأنه یسهم فی الارتقاء بشعریة القصیدة وعمق دلالاتها وشدة تأثیرها فی المتلقی.
وغرف شعراؤنا من معین الرمز الأسطوری والتاریخی والثقافی.. إلى غیر ذلك.. صوراً فنیة دالة أغنت نصوصهم الشعریة وعمقتها فكریاً وجمالیاً .. وتمیزت أشعار محمود درویش فی دواوینه الأخیرة بتوظیف الرموز المختلفة بشكل مكثف عمیق , حیث ارتقت القصیدة العربیة
الحدیثة إلى مستویات إبداعیة مبتكرة متطورة تتوازى مع أعظم الأشعار العالمیة فی القرن العشرین . ففی قصیدته " یطیر الحمام "
یوظف محمود درویش الحمام لیرمز إلى السلام المفقود فی وطنه وفی نفسه, یقول :
یطیر الحمام
یطیر الحمام
اعدی لی الأرض كی استریح
فأنی احبك حتى التعب
.. أنا وحبیبتی صوتان فی شفة واحدة
أنا لحبیبی أنا, وحبیبی لنجمته الشاردة
وندخل فی الحلم, لكنه یتباطأ كی لا نراه
وحین ینام حبیبی أصحو لكی احرس
الحلم مما یراه
.. یطیر الحمام
یطیر الحمام
فالحمام الذی یطیر ویحط .. ثم یطیر ویحط .. وهكذا .. هو حلم السلام الذی یراود الشاعر وحبیبته أو الذی یضیء وینطفئ فی حیاة شعبه
الذی ینتظر هذا السلام المتأرجح ما بین الأرض والسماء حتى یعود إلى وطنه وینتهی كابوس الاحتلال, فالشاعر لسنوات طویلة, وهو
هائم فی السماء والأصقاع ویطلب من بلاده ( إن تعد له الأرض كی یستریح ) من ( طیرانه ) الذی لا ینتهی .. فقد تعبت أجنحته ولا بد أن
( یحط ) فوق أرضه .. ویلتقی حبیبته المبعدة.
فهما ( صوتان فی شفة واحدة ) وانه یحرسها فی أحلامها .. مثلما یطارد أحلامه الضائعة , ولكنه ینتهی فی آخر الرحلة إلى
( یطیر الحمام .. یطیر الحمام ) , فیلغی ( یحط ) الحمام , لأن هذا السلام , بعد كل هذا العمر الذی ضاع انتظارا لتحقیقه , طار ولم یعد.. تلاشى , ولن یأت.
كما وظف محمود درویش الرموز الأسطوریة والتاریخیة والدینیة ( تموز والعنقاء . وضیاع الأندلس ، والنبی یوسف واخوته.. وغیرهم
كثیر ) فی دواوینه ( أحد عشر كوكباً ) ( لماذا تركت الحصان وحیداً ) و ( سریر الغریبة ) وغیرها .
المراجع والمصادر :
1) الرمز والرمزیة فی الشعر المعاصر ـــــــ أحمد محمد فتوح ، دار المعارف ، ط3 ، القاهرة 1984
2) الشعر العربی المعاصر قضایاه وظواهره الفنیة والمعنویة ــــــــ إسماعیل عز الدین ـ
3) نظریة التراث ودراسات عربیة وإسلامیة أخرى ــــــ فهمی جدعان ، دار الشروق ، ط1 ـ عمان 1985
4) اتجاهات الشعر العربی المعاصر ، إحسان عباس ، دار الشروق ، ط2 ، عمان 1992
5) الرموز التراثیة العربیة فی الشعر العربی الحدیث ، خالد الكركی ، ط1 ، عمان 1989
6) دراسة فی كتاب: "بنیة القصیدة العربیة المعاصرة " أ غسان غنیم
7) دلالات التجدید فی الشعر، د مجمد عروی اقبال ، عالم الفكر المجلد 17 العدد 4/ 1987
8) ظاهرة الشعر الحدیث، د أحمد المعداوی ، شركة النشر و التوزیع المدارس البیضاء ط 2/ 2007
9) دیوان بدر شاكر السیاب المجلد الاول دار العودة بیروت لبنان 1989
10) محمد الفایز و خلیل حاوی الإبحار فی سفن الخیال ، د فایز الدایة ، مجلة العربی العدد 561 / 2005
11) دراسات منشورة فی مواقع الكترونیة منها :
- القدس فی الشعر المغربی المعاصر .
- السندباد الرمز من خلال خمسة نماذج .
منقول من موقع بانك مقالات عربي (لم يكتب فيه مع الأسف اسم الكاتب)
+ نوشته شده در ۱۳۹۱/۰۶/۲۹ ساعت 9:51 توسط دكتر علي ضيغمي
|